قامت شركة الكوكاكولا في منتصف ثمانينات القرن الماضي بإعلان تغيير طعم مشروبها الشهير، ولأول مرة منذ 99 عاما. وقد رفض محبو الكوكا الطعم الجديد، مما اضطر الشركة الى توفير النوعين معا، ولكن مع استمرار الاعتراض اضطرت في نهاية الأمر الى سحب الجديد من السوق بشكل كامل. وقد انتهزت «البيبسي كولا»، منافستها الرئيسية في أميركا وبقية العالم، الفرصة وقامت بنشر إعلان في جريدة النيويورك تايمز الشهيرة، وعلى صفحة كاملة بيضاء تماما وكتبت في منتصفها الجملة التالية بخط صغير: After 99 years of eye to eye, the eye blinked. Pepsi Cola أو بعد 99 عاماً من العين في العين (المخازز) رفّت العين الأخرى. التوقيع: بيبسي كولا!
وهذا يعني ان بعد 99 سنة من التنافس بين الشركتين رفّت عين الشركة المنافسة فغيرت طعم مشروبها. وقد فاز الإعلان في حينه بجوائز عدة.
ولو عدنا الى منطقتنا، لوجدنا ان الكويت والسعودية كانتا دائمتي التنافس في الكثير من الميادين والمجالات الرياضية والطبية ورعاية المواطنين وبناء الطرق والمساكن، وكانت الدولتان دائمتي التأثير بعضهما في بعض، بالرغم من الفوارق بينهما، وكانت الكويت رائدة في الكثير من المجالات، ولكن بدأت أحوالها بالتقهقر، وبعد تنافس استمر عقودا طويلة بين الدولتين رفت عين الكويت تعبا وفازت عليها السعودية بالضربات الأربع التالية: أولا، افتتاح جامعة الملك عبدالله الجديدة. ثانيا، السماح بالاختلاط بين الطلاب والطالبات فيها. ثالثا، تعيين مدير «سنغافوري» للجامعة ذات التقنية العالية. رابعا، اعفاء رجل الدين الشثري من مناصبه الدينية المرموقة لانتقاده قرار الملك المتعلق ببعض أنظمة الجامعة.
ومن جانب آخر، قام شيخ الأزهر محمد سيد طنطاوي بتلخيص موقفه الشخصي والرسمي من النقاب، وذلك بالطلب من طالبة في أحد المعاهد الأزهرية خلع نقابها، لانه «عادة وليس عبادة». كما اصدر قرارا منع بموجبه ارتداء النقاب في الأزهر، وأصبح هو الموضة التي لم تعرفها مصر منذ عهد الفراعنة حتى ما قبل سنوات قليلة!
لا نحاول هنا التستر على سعادتنا بقرارات الملك عبدالله الكبير ولا بموقف شيخ الأزهر، فالحقيقة تقول ان الاصرار على ارتداء النقاب غير مبرر، خاصة بعد ان تحول من عادة لأمر شخصي الى عبادة. كما أصبح يمثل رأيا دينيا سياسيا يراد من خلاله ايصال رسالة لمن يهمه الأمر بأن من سيقود الشارع هم من يقفون وراء هذا النقاب، وهؤلاء لا شك يريدون الشر بالمرأة، بعلمها وبغير ذلك، ويهدفون الى «نتف» كل مكتسباتها وإعادتها الى «حظيرة» القرون الوسطى، ففي هذا العصر البالغ التعقيد الذي نعيشه، وأمام كل هذه المخاطر التي تحيق بنا، من تكنولوجيا، عقائدية أو صحية، لا يمكن الاعتداد بمبدأ «الحرية الشخصية» عندما يتعلق الأمر بتصرف يخص الجماعات المتأسلمة، ورفض الحرية الشخصية نفسها متى تعلق الأمر بتصرف ليبرالي أو علماني حر! فظهور وباء ما يتطلب تطعيم الجميع ولا يمكن هنا رفض أخذ الطعم بحجة الحرية الشخصية، فهذا هو السخف بذاته، فعدم أخذه ضار بسلامة المجتمع، ولا خيار لأحد، ايا كان، في الرفض. وما اصبحت مجتمعاتنا معرضة له من مخاطر سياسية وعقائدية دينية لا يختلف عن تعرضها لاوبئة مرض الطيور أو الخنازير أو القرود، حيث يتطلب الأمر الحذر والانتباه لكل مجهول، والتطعيم ضد كل وباء. وارتداء النقاب «الطالباني» الشديد التخلف والسماح لمرتدياته بالتجول في الاسواق ودخول الاماكن العامة واداء الوظائف الحساسة والخطيرة أمر بالغ الخطورة، فالنقاب لا مبرر له في مجمل حياتنا، كما لم يكن مبررا طوال قرون في العالم اجمع، فالبشرية استمرت من غيره لمئات آلاف السنين، فكيف أصبح فجأة واجبا محتما يتطلب الموت في سبيل تنفيذه؟ وكيف تسمح السلطات الأمنية في الكويت للمنقبات بالاشراف على مجموعة من الوظائف الخطيرة، كالتدقيق على جوازات الخروج من المطار عبر المنافذ، خاصة ان أياً من كبار ضباط الأمن في المطار، لا يجرأون على الطلب من الموظفة المنقبة الكشف عن وجهها للتأكد من هويتها، ومع هذا نشكو دائما من هروب مطلوبين ماديا وأمنيا من الموانئ الرسمية!
ان الأمر يتطلب من الحكومة اتخاذ كل ما يلزم لإعادة الأمور الى نصابها. فلم يعرف تاريخ الكويت الحديث ومنذ بدأت المرأة بالعمل في الحكومة وجود سيدات عاملات منقبات حتى عندما كن يقمن بمهمة التدريس في خمسينات القرن الماضي، فكيف بعد نصف قرن تعود عقارب الساعة وتصبح المنقبة الكاملة هي الممثلة للصفاء والنقاء، وغيرها عكس ذلك.
أحمد الصراف