ورد في المصادر التاريخية، ان قطعة قماش من الكتان تم اكتشافها في عام 544 ميلادية في مدينة أديسا، واعتقد وقتها أنها ربما تكون الكفن الذي لف به جسد السيد المسيح عند دفنه بعد صلبه، وما عزز ذلك الاعتقاد، وفق المصادر التاريخية، ان قطعة القماش تلك تظهر، بطريقة غريبة، وجه وجسد انسان، وملامح الوجه تشبه ما روي عن ملامح المسيح، كما وجدت آثار دماء على الكفن مما اكد الرواية اكثر، وكانت تلك بداية واحدة من اكثر القصص اثارة عن المسيح ومعجزاته، كما اصبحت تلك القطعة الاكثر قدسية وتبجيلا طوال قرون. وورد في المصادر التاريخية كذلك ان ملوكا وقادة عسكريين واباطرة وباباوات تنافسوا حتى الموت على اقتناء هذا الاثر المقدس والعظيم. ونقل في اغسطس 944 عنوة إلى القسطنطينية، عاصمة الامبراطورية البيزنطية، حيث تم التأكد من حقيقة كونه كفن المسيح، وان اللطخات التي تظهر عليه هي بالفعل دم انسان! كما توالت التأكيدات من جهات مختلفة على مر السنين بصحة ما قيل عن حقيقة الكفن، واصبح هناك اعتقاد راسخ بأنه كفن السيد المسيح والدم دمه والصورة صورته، وانها آخر معجزاته.
مع تغير الممالك وتقلب العصور تقاذفت الايدي كفن المسيح وانتقل من عاصمة إلى اخرى حتى استقر في ايطاليا واصبح يعرف بـ«كفن تورين» ربما نسبة إلى الكاتدرائية التي يحفظ فيها حاليا في ايطاليا منذ عقود طويلة.
ولان الفكر الغربي، وحتى لو كان يمثل عاصمة الكثلكة المتزمتة في العالم، لا يؤمن بالمسلمات، وبسبب مناخ حرية البحث والتطوير الذي تتمتع به شعوب اوروبا، والغرب عموما، وللتأكد من كل ما اثير حول الكفن من اقاويل، فقد وافقت الكنيسة على اخضاع آخر معجزات السيد المسيح للفحص المختبري الكربوني لمعرفة حقيقة الامر، وكانت المفاجأة غير السارة ان الفحص المختبري بين ان قطعة القماش تعود إلى القرون الوسطى وبالتحديد للفترة من 1260 الى 1390 ميلادية، وانها قطعة بالتالي مزيفة اراد صانعها الاستفادة منها ماديا. وقد اكد واحد من اكبر علماء الآثار الايطاليين، نقلا عن وكالة رويترز للانباء، ما توصلت اليه المختبرات من نتائج سلبية، كما عقد مؤتمرا صحفيا بين فيه الكيفية التي ظهرت بها صورة وجه وجسد انسان على قطعة القماش تلك، وان عمرها لا يزيد على 800 عام، وليس 1500 عام، كما كان يعتقد سابقا، وان كل ما دُوّ.ن في «المراجع التاريخية» عن الكفن وقدسيته غير صحيح، وان الجميع عاش في وهم لفترة تقارب الثمانمائة سنة! ويمكن العودة للشيخ «غوغل» لمعرفة مزيد عن تاريخ واحدة من اكثر مقدسات الكنيسة اهمية، والتي ثبت عدم صحة كل ما قيل فيها وعنها.
ما قام به علماء الغرب وما اقدمت عليه مختبراتهم يوضح بطريقة لا تقبل الجدل كم هو كبير الفارق بين الامم الحية وغيرها المغيبة. فقبل 30 عاما وقعت احداث شغب عنيفة في احد اسواق مدينة مومباي الهندية، اثر سريان اشاعة عن قيام البعض بسرقة شعرتي النبي المحفوظتين في احد مساجد المدينة! وقبل ان يتبين عدم صحة الخبر كان 200 شخص بريء ومسالم، وأغلبيتهم من الهندوس، قد فقدوا حياتهم، واحرقت عشرات المتاجر والمركبات، وطالت اعمال الشغب اكبر مدن الهند لساعات عدة!
وفي هذا السياق، توجد في متاحفنا، وبالذات في تركيا، مجموعات كبيرة من السيوف والتروس والعمائم والخفف، او النعال، التي يعتقد انها تعود في أغلبيتها لزمن النبوة والخلافة! ولكن بالتمعن في اشكالها وحالتها غير السيئة، وتاريخنا الذي لا يؤمن اصلا بالآثار بسبب طبيعة المنطقة وامور كثيرة اخرى، تجعل من الصعب الايمان بصحة ما يشاع عن اعمار وتاريخ أغلبية هذه الآثار، وربما يكون عامل المتاجرة بعواطف المؤمنين وراء تلك الادعاءات، التي ليس من السهل التأكد من صحتها في ظل غياب تام لاي تدقيق او تمحيص عن حقيقة اعمارها او مصادرها. كما اننا على غير استعداد لاخضاع كثير من الاماكن المقدسة من اضرحة ومقامات للفحص المختبري والكربوني لمعرفة حقيقة ما يثار حولها من اقوال. فنحن كنا ولانزال سعداء بما نعتقد ولا نريد ان يعكر صفو حياتنا احد باي اكتشافات قد لا تتفق وامزجتنا وما نؤمن به.
أحمد الصراف