يقع جبل ارارات في اناتوليا بتركيا حاليا ويسميه الارمن «مسيس»، ويبلغ ارتفاعه 5137 مترا وتغطي الثلوج قمته طوال العام، ويتوسط الحدود الارمينية والايرانية والاذربيجانية.
وعلى الرغم من قدسية الجبل لدى اليهود والمسيحيين من خلال ما ورد في «سفر التكوين» من ان سفينة نوح قد رست عليه، فان لهذا الجبل مكانة تاريخية كبيرة في وجدان الشعب الارمني، ولم تتوقف مطالباتهم الملحة منذ 100 عام بعودته إليهم.
سافرت إلى تركيا لاول مرة قبل 35 عاما، واختلطت بكثير من الاتراك في مناسبات واماكن عدة، وتعاملت مع شركات تركية. ووجدتهم في أغلب الاحوال شعبا جادا في عمله امينا في وعوده وتعامله ومبدعا في ما يقوم به. وعندما اقارن ما نقوله ونشيه عنهم وما نطلقه عليهم من نكات سخيفة، وانهم اقرب للصلافة والجلافة منهما إلى اي امر آخر، اجد ان الاوصاف تنطبق علينا بنسبة اكبر من انطباقها عليهم.
ومن جهة اخرى، اجد ان تقدم تركيا ورقيها لا يقارنان بما هو عليه الوضع في أغلبية الدول العربية، وليس في ذلك ما يخجل، لولا اصرارنا على السخرية منهم، وهم الافضل منا، بالرغم من تاريخهم الاستعماري السيئ معنا. نقول هذا على الرغم من فخر كثيرين بذلك التاريخ وكونه مرحلة مهمة تستحق الاحترام والتقدير. ويمكن ان نضيف كذلك ان علمانية اتاتورك هي التي خلصت تركيا من اوحال التمزق والتخلف التي تسبب بها سلاطين الدولة العثمانية الفاسدون.
اكتب ذلك بمناسبة الاتفاق التاريخي الذي توصلت إليه حكومتا ارمينيا وتركيا، والذي انهى خلافا دمويا بينهما امتد لما يقارب القرن، وهو الخلاف الذي بدأ مع الحرب العالمية الاولى ووقوف الاقاليم الارمينية مع جارتها الكبرى روسيا ضد غزو القوات العثمانية، التي تختلف عنها في كل شيء، وقد تسبب ذلك العداء في قيام الجيش العثماني على امتداد 1915 ــ 1916 من ذبح مئات آلاف الارمن، أغلبيتهم من المدنيين، في واحدة من اكبر مجازر الحرب بشاعة.
وعلىالرغم من انهار الدم التي جرت بين الطرفين، فان هذا لم يمنع التوصل إلى ذلك الاتفاق التاريخي، ومحاولة دفن الاحقاد السابقة والعيش بسلام، فلا احد من شعب او قادة البلدين اليوم مسؤول عما جرى قبل اكثر من 90 عاما. وقد بارك ملايين الارمن، مجبرين، الاتفاق بالصمت وعدم الانتقاد، فمن اختار خيار السلم حكومة منتخبة منهم ولها حق التحدث باسمهم.
المحزن اننا واسرائيل، اعجز من ان نتوصل إلى مثل هذا الاتفاق، الذي تحتاج اليه المنطقة بشكل هائل، فقد نالها ما يكفي من الموت والدمار وشتى انواع الويلات، ولكن تحقيق ذلك ابعد ما يكون، والسبب يعود بصورة رئيسية لغياب الديموقراطية في جانبنا، فما حققته تركيا وارمينيا لم يكن ممكنا بغير ديموقراطية حقيقية. فهل لدينا ما يشبه ديموقراطيتهم، ومن يمثل الفلسطينيين اليوم؟
أحمد الصراف