منذ انغماسي في قضايا تطوير الذات، وأنا أبتعد أكثر فأكثر عن تناول اللحوم. وعلى الرغم من أن التوقف عن عادة عمرها أكثر من 60 عاما ليس بالأمر السهل، أو هكذا كنت أتخيل، فإن الأمر لم يكن بكل تلك الصعوبة، ربما لأنه جاء لأسباب منطقية، ومن منطلقات إنسانية أكثر منها صحية أو مادية. ومعروف ان النباتيين هم أولئك الذين لا يتناولون أي نوع من اللحوم والأسماك، وأحيانا كثيرة يمتنعون عن تناول أشياء مثل البصل والثوم والبهارات الحارة، إضافة بالطبع الى المشروبات الكحولية والسجائر، وهؤلاء النباتيون أعدادهم في ازدياد مستمر. ولو نظرنا الى غالبية الأمراض والأوبئة العصرية التي أصابت البشر والشجر والمواشي لوجدنا ان الحيوان هو المصدر الأساسي لغالبية تلك الأوبئة. وقد ورد في خبر لقناة السي.إن.إن (CNN) أن الكاتب الأميركي جوناثان فوير يستعد لإصدار كتاب يبين فيه أن اقبال البشر الشره على تناول لحوم الحيوانات هو السبب الرئيسي للأمراض الجديدة التي تظهر بين الفينة والأخرى، كما أن هذا الإقبال الكبير مسؤول كذلك عن ظاهرة الاحتباس الحراري، وما تظهره البكتيريا والجراثيم من مقاومة شرسة للأدوية والمضادات الحيوية.
كما أن الاعتماد المكثف على تناول اللحوم قد أثر في البيئة، ودفع الإنسان الى خلق سلالات حيوانية ضعيفة بغية انتاج أكبر كمية من اللحوم، منها عن طريق التوالد المفرط في الحظائر. وقال الكاتب فوير لـ CNN، انه اهتم بكتابة ابحاثة عن أنظمة الغذاء لدى البشر، بعدما رُزق بطفل، فبدأ يفكر في مدى ثقل المسؤولية الملقاة على عاتقه لجهة اختيار نوعية الطعام الصحي الذي يجب أن يقدمه لطفله. وقال إن تقارير الأمم المتحدة تعتبر تربية قطعان الماشية هي المساهم الأكبر في اصدار الغازات المسببة للاحتباس الحراري، حيث تنتج الحيوانات التي تربى لأجل لحومها غازات تفوق ما تنتجه جميع وسائل النقل الموجودة على كوكب الارض مجتمعة. ووفق أبحاثه، فإن المشاكل تتواصل وتتزايد مع تخزين اللحوم بالأساليب المعتمدة في المصنع حاليا، حيث تتكاثر فيها الفطريات الضارة، ما يسبب حالات شبيهة بالإنفلونزا تستمر لمدة 24 ساعة تقريبا، تنتهي بإسهال يرتاح المريض من بعده، مشيرا الى ان هذه الحالات، التي يعتقد الناس انها إنفلونزا تصيب 76 مليون شخص سنويا في اميركا وحدها، واضاف ان تربية الحيوانات في المزارع تتم بصورة لا تنسجم مع المعايير الصحية، كما ان الامراض بين القطعان باتت محتمة بسبب التوالد المكثف من ماشية تتصل ببعضها بصلات قرابة، وقال ان ذلك دفع المزارعين الى معالجة الوضع عن طريق تقديم المضادات الحيوية بكثافة اكبر للماشية مع الوجبات، حتى وان لم تكن تظهر عليها آثار المرض، وقد ادى ذلك الى حقيقة ان الماشية أصبحت تستهلك 18 مليون رطل من المضادات الحيوية سنويا، والدواجن ما يقارب 25 ألف رطل، اما البشر فيستهلكون ثلاثة ملايين رطل فقط! ويقول فوير ان الاستعمال المفرط للمضادات الحيوية ادى الى ظهور فصائل من البكتيريا والجراثيم التي تتمتع بمناعة ضد هذه العقاقير، بدليل ان مقاومتها لكل دواء كانت تزداد بمجرد تقديمه للماشية، ففي عام 2002 قدم مربو الماشية عقار سيبرو للابقار والدواجن، وكانت النتيجة ارتفاع مقاومته لدى البشر من صفر الى 18 في المائة.
ويضيف فوير ان البشر هم الذين يمولون هذه الامور من خلال استمرار اقبالهم على تناول اللحوم، ما يجعلهم اكثر عرضة للامراض التي تظهر بشكل وبائي، مثل انفلونزا الخنازير والطيور.
وذكر ان هذه الاستنتاجات سبق ان تبنتها مؤتمرات علمية، بينها مؤتمر عقد عام 2004، وضم منظمات الاغذية في الولايات المتحدة والامم المتحدة والمنظمة الدولية للصحة البيطرية في اعقاب ظهور مرض انفلونزا الطيور، والذي اشار بيانه الختامي الى ان «تزايد الاقبال على المنتجات والبروتينات الحيوانية» من بين اسباب ظهور هذه الاوبئة، ويعتقد فوير ان المزارع الاميركية هي المكان الوحيد الذي يمكن ان تظهر فيه فيروسات حديثة تجمع خصائص امراض تصيب البشر والحيوانات والطيور في آن واحد، مثل انفلونزا الخنازير، مضيفا ان العلماء تمكنوا من اكتشاف ان المزارع في الولايات المتحدة تحتوي على آثار لستة اوبئة من اصل ثمانية ضربت العالم في السنوات الاخيرة.
والآن، هل انت على استعداد لان تكون نباتيا مثلي، او على الأقل مستهلكا اقل للحوم؟ ان مصير البشرية هو في يد كل واحد منا!
أحمد الصراف
[email protected]