في بداية ستينات القرن الماضي تأبطت ملف «تخرجي» من مرحلة الدراسة المتوسطة، واتجهت إلى ثانوية الشويخ للالتحاق بها، كما فعل بقية أقراني، وهناك، فتح ناظر المدرسة الملف وتصفحه وقلب النظر فيه ورفع رأسه ونظر الي وقال ما لا أستطيع نسيانه حتى اليوم: يا ابني ليش ما تروح الثانوية التجارية أحسن لك؟ أنت أبوك تاجر، وتتعلم التجارة هناك!! فقلت له انني أود الالتحاق بمدرسته فقال لي: خليني أكون صريح معاك، درجاتك في السلوك مو زينة ( أي غير جيدة)، وما اقدر أقبلك عندي، أنت باين عليك شيطان!
وكانت تلك نقطة تحول مفصلية في حياتي، حيث غادرت مكتبه وأنا حزين لرفض قبولي، واتجهت الى شارع فهد السالم، حيث موقع مدرسة المثنى، في الموقع الحالي لمجمع المثنى، والتحقت بـ«الثانوية التجارية». وبالرغم من أنني لم انه دراستي فيها فإن تأثير سنواتها الدراسية، وما تبع ذلك بعدها، لا يزال ممتدا في حياتي حتى اليوم.
في أسبوعنا الأول في الثانوية التجارية اكتشفنا كطلبة أننا شربنا مقلبا حكوميا غير سار أبدا، فالمدرسة افتتحت على عجالة، وبأسلوب كويتي عربي إسلامي صميم أساسه البركة ومبناه الثقة بالغيب والإيمان بالقدر، حيث لم توجد هناك أي مقررات ولا منهج واضح ولا كتب ولا مواد تدريس ولا خطة دراسية، بل مجموعة من المدرسين، وغالبيتهم من مصر، ومبنى من الطوب الإسمنتي، وعدد من الصفوف المدرسية المتهالكة… ولا شيء غير ذلك. وكان مدرسو مختلف المواد يدخلون الفصل ويخترعون موضوعا «تجاريا» للتحدث فيه، وهكذا إلى نهاية العام.
ويبدو، بعد مرور قرابة نصف قرن على تلك التجربة، أن الأمور لم تتغير كثيرا في التربية والتعليم. وكان هناك أمل أن تقوم الوزيرة نورية الصبيح بعمل شيء و«لكنهم» لم يتركوها تكمل، والأمل لا يزال مستمرا في أن تنجح الوزيرة الحالية بفعل شيء لقطع الحبل السري الذي يربط التربية بالسياسة، بعد أن سمحت الحكومات المتعاقبة للقوى الدينية المسيسة، من إخوان وسلف، بأن تحكم سيطرتها على مقدرات التربية والتعليم ومناهجها في الثلاثين سنة الماضية، على الأقل!
بعد أكثر من نصف قرن من التحصيل العلمي، والعمل الحكومي والخاص، والذي قضى ردحا منه مربيا وناظرا لثانوية الشويخ، وإداريا كبيرا في نفط الكويت، ووزيرا ورجل أعمال، تقدم هذا المواطن، وبعد كل منجزاته وخدماته وتاريخه التربوي الطويل، بطلب لإنشاء جامعة خاصة، بالتعاون التقني مع «معهد الهند للتكنولوجيا»، وهي الجامعة التي سبق لنا ان كتبنا عنها مقالا قبل أيام، والتي تعتبر واحدة من أفضل الجامعات في تخصصها. وبالرغم من هذا الإنجاز الباهر في الحصول على موافقة الجامعة الهندية فانها كانت بداية متاعب صاحبنا مع الروتين الحكومي منذ أكثر من سنة من لجان وتوصيات واجتماعات وموافقات حكومية وتربية وتعليم وأملاك الدولة والفتوى والتشريع وديوان المحاسبة وغير ذلك الكثير. ولا يزال صاحبنا، وبعد أكثر من عام بانتظار الموافقة النهائية التي يبدو أنها ستتأخر كثيرا!
هذه هي قصة سلوكي وسلوك سليمان المطوع، المربي الفاضل والوزير السابق، وقصته مع حكومته. فدرجات سلوكي المتدنية في شهادتي المدرسية دفعته لعدم قبولي طالبا في مدرسته، فدفعني ذلك للالتحاق بالمدرسة التجارية والخروج منها غير آسف للعمل موظفا في بنك الخليج، وهو العمل الذي فتح أمامي أبواب النجاح في كل مجال طرقته. ودرجات سلوكه العالية في كل عمل قام بأدائه ورفضه اتباع الملتوي من الطرق في الحصول على حقه، جعلته ينتظر أكثر من عام لورقة واحدة من المفترض ألاّ يستغرق الحصول عليها ثلاثة أو أربعة اشهر بالكثير، وخاصة لمشروع تربوي وحيوي ينتظره الكثيرون.
فأي نوع من السلوك تطلب حكومتنا «الرشايدة» اتباعه؟
أحمد الصراف