البحرين دائما في دائرة الضوء… شيء يفرحنا ويملأنا غبطة وسرورا حين تكون تلك الدائرة دائرة ريادة وتميز ونهضة، أما أن تكون في دائرة ضوء أفلام الرعب الخاطفة التي تبرق حينما يكون المشهد مفزعا وتزداد ابراقا كلما زاد الموقف افزاعا وخوفا، بين إظلام مرعب وإضاءة مبهرة بوجوه قبيحة مخيفة، فذلك مما لا يسر من دون شك!
دائرة الضوء الريادي الذي قصدت، هي ترسيخ ثوابت وطنية أصيلة على مستوى بناء الدولة بكل مؤسساتها واقتصادها ووجودها على خريطة العالم، وتقديم نموذج لعلاقة الشراكة السياسية بين السلطة والشعب، لكن كل ذلك يتلاشى أمام الأضواء المرعبة! في الشأن الداخلي هناك الكثير من الإرهاق للدولة والمواطن والحاضر والمستقبل مرده الإسقاطات الاقليمية التي تجعل من بلادنا الصغيرة محل تهديد لم يتوقف يوما… يقض مضجعها التآمر الخارجي، فتدور في فلك التهويشات والويل والثبور، ويزيدها خوفا ما يجري بين أبناء الشعب الواحد… الأسرة الواحدة… النسيج المتماسك مما لا تجده في الحياة الاجتماعية العامة بين الناس، سنة وشيعة، عربا وعجما، مجنسين وسكانا أصليين… والقائمة قد تطول بين ما أعرف وما لا أعرف، لكن لنتتبع أفلام الرعب ومصدر البث… ولنترك المخفي الذي لا يعلمه إلا الله، ولنتتبع الظاهر، مما يخيف ويقلق من خلال الصحافة البحرينية… التي تكللها هالة من الأمانة والمسئولية الوطنية، ولنراقب الخيوط من بين العناوين والمقالات والمضامين. هل لنا أن نجرب يوما أو بضع أيام لنتأكد من أن كل ما يثار – في إطار المسئولة الوطنية المفترضة شعارا والغائبة واقعا – خطوط ليس من الصعب الإمساك بها.
نعلم أن في بلادنا ست صحف يومية ناطقة باللغة العربية، ونعلم أن القيادة تعتز بها وتفاخر وتجعلها شريكا رئيسيا في البناء والعمل الوطني، لكن، من بين تلك الصحف الست، صحيفتان فقط تبثان أفلام رعب يومية، أو ربما أسبوعية، في محاولة تنجح حينا وتفشل حينا آخر في تشكيل مواقف وتأليب مواقف وإرسال إشارات وإطلاق بالونات اختبار، ليس في مساحة القضايا التي تهم الأمة بصدق النوايا، وإنما في إشعال فتيل طائفي… طائفي.. طائفي ولا شيء سواه.
إحداها تلبس ثوب القومية بأزرار بعثية واضحة، فتصطاد فيروسات مدمرة من العراق ولبنان تحديدا، وتنشرها بدرجة أخطر من فيروس «تروجان هورس» وقلبي على أبناء الطائفة السنية الكريمة الذين يشاهدون أفلام الرعب التي يكون ضحاياها أهل السنة والجماعة هناك، تفعل فيهم فرق الموت فعلها، فتسفك دماءهم وتتقصد تصفية عرقية ما شهد لها التاريخ مثيلا في بلد لم يعرف أهله الطائفية إلاّ حينما حل الدمار الأميركي مسنودا بجماعات وميليشيات ما ان تحفظ اسم احداها حتى تأتيك المزيد من الأسماء مما لا تستطيع تذكره. وتواصل بث الأفلام المخيفة لتجعل البعض يخرج عن عقاله فيحذر في المنابر وصلاة الجماعة والمنتديات من خطر «الرافضة» الذين لا مؤامرة لديهم أهم من سفك دماء أهل السنة! وليس أولئك القتلة إلا من الطائفة الشيعية، تحذر منهم هناك، وتضاعف التحذير منهم هنا في هذا البلد الصغير.
أما الصحيفة الأخرى، فهي ماثلة في وجدان الوطن، والوطن في وجدانها ولا أغلى من ترابه وشعبه وحكومته ومصلحته العليا، لكن هكذا تنظر إلى الدور الوطني والمسئولية تجاه الوطن العزيز… ففي كل يوم يستيقظ ضميرها الذي ما غفا لتأخذ كل أدوار البطولة في أفلامها المرعبة، بدءا بما يحدث وراء كواليس تصاغ فيها الأوامر وترسل من مدينة قم المقدسة إلى أجناد لها في البلد، معممين وغير معممين… ولاؤهم ليس للبحرين، بل هو مقدّس في تلك الجمهورية! ثم تعبر شيئا فشيئا إلى المخططات «الصفوية»، وتنقل أخبار شخصيات دينية شيعية في العراق أو في الكويت أو في لبنان، وتكرر المشاهد الأكثر إرعابا والتي تظهر أراضي بلادنا وقد سلبت بعروض بيع مغرية تساندها أموال لا حصر لها، وتعيد مشهد الجمعيات الإسلامية وهي تنهش في جسد الوطن، وتنتظر ساعة الصفر لتسحق المواطنين السنة وتشرب من دمائهم! فلهفي عليكم يا أهل المحرق، ومدينة عيسى، والرفاع، ومدينة حمد، وعليكم كلكم من الحد الى الزلاق، وأنتم تعيشون في سلام طائفتين، لتشاهدوا هذه الأفلام فيتأثر بها البعض إلى حد تدمير العلاقات الطيبة مع أهله وأصدقائه، وليعيش حالا جديدة من التوتر والقلق والخوف على نفسه وأهله ومستقبل أبنائه… كل يوم.
فلنجرب، ونتابع يوميا تلكما الصحيفتين فقط، ثم لنعد إلى قراءة الصحف الأربع الأخرى، ولنضع علامة على أفلام الرعب، وعلى المخرجين والممثلين والكومبارس وخطة التسويق، وأجزم أننا سنسجل قاعتي عرض سينمائي لا مثيل لهما، ونشطب على قيم العمل الصحافي والأمانة والصدق والموضوعية وكل المعايير الكلاسيكية والحديثة في العمل الصحافي منهما، ويكفينا إخلاص الصحف الأربع… ففيها الخير.
على مدى أشهر، وجدت من المتيسر تتبع النقاشات الحادة التي تحدث في أماكن العمل أو في المقاهي أو حتى في المجالس التي يرتادها المواطنون سنة وشيعة، ليكون مصدر النقاش الحاد الساخن، هو فيلم شاهده الناس في واحدة منهما…
الأفلام لم تعد جديدة وهي مكررة: المد الصفوي (رعب)… مأساة السنة (رعب + تراجيديا)… قصة الولاء المباع (رعب + دراما اجتماعية)… مصب الإسلام العظيم (ارشيفي وثائقي قديم)… بائعو الوطن (رعب + سياسة)، ولا بأس إن مل الإنسان، أن يشاهد الأفلام الكوميدية الآتية: أبناء السلندرات… عمامة الشيطان… اعتصام في الحمام… حسون الملعون وعباسوه الصفوي.
أعجبني كلام الفنّان السعودي عبدالله السدحان، الذي تمنى في مشهد من مشاهد المسلسل الشهير المبهر نجاحا وانتشارا «طاش ما طاش»، أن يتحدّ المسلمون في مذهب واحد اسمه «مذهب الشنة».
كل ما قلته «كلام… إن لم يعجبكم اعتبروه ثرثرة»! ولكن لنأخذ المواقف فردا فردا… ولينظر كل مواطن شيعي إلى صديقه أو نسيبه السني… ولينظر كل سني إلى صديقه أو نسيبه الشيعي… جيران وزملاء عمل ومعارف وشلة مقهى، وليسقط ما شاء من إسقاطات، من تلك الأفلام، ليحدد ما يدخل عقله منها، وليرفض ما يرفض، ويكفي هذا الوطن جروح دامية… لله درك أيها الوطن العزيز.