شعرت كما شعر الكثيرون غيري، أن شهر ديسمبر/ كانون الأول الجاري محاط بالترقب والحذر بدرجة ربما لم يشهدها شهر «ديسمبر» فيما مضى من تاريخ البلاد، وإن كان هذا الشهر الذي له مكانة وطنية خاصة منذ استقلال البلاد في 14 أغسطس/آب من العام 1971 قد شهد الكثير من الحوادث على مدى السنوات الماضية، إلا أن شهرنا الجاري خصوصا، ليس كأي «ديسمبر» مضى.
هذا الشهر البارد طقسا في العادة، تدفئه مناسبة وطنية عزيزة على نفوس أبناء البحرين، وهي مناسبة ذكرى جلوس جلالة العاهل، ولأن هذه المناسبة ارتبطت في الوجدان الوطني بمعاني الانتماء والمواطنة، فإن ما شهده ديسمبر في عامه الماضي من حوادث مؤسفة لاتزال تبعاتها قائمة، يثير حالا من الترقب لما ستكون عليه الأوضاع في فترة الاحتفالات الوطنية من جهة، والحراك السياسي المرتبط بشكل أو بآخر بهذه المناسبة من جهة أخرى، لكننا نتمنى ألا تدخل البلاد في دوامة جديدة من دوامات العنف والاضطراب الأمني، وهذه ليست مسئولية طرف دون آخر، فهي دون شك مسئولية الدولة، وكذلك هي مسئولية الجمعيات السياسية والناشطين ومسئولية كل مواطن يدرك ويؤمن بميزان الحقوق والواجبات… إذا هي مسئولية مشتركة يتوجب أن يحملها الجميع لتجنيب البلاد ما لا تُحمد عقباه.
شخصيا، لست ممن يستسيغ المظاهر الوطنية المزيفة في امتثال حب الوطن والقيادة من خلال الأغاني والقصائد والرقصات الشعبية والمهرجانات وحسب، وهذه وإن كانت ليست «بدعة» وليست مظهرا ممقوتا لدى الكثير من الناس، لكن (ديسمبر البحرين) هو علامة وطنية يجب أن تبقى حية في النفوس وفي الوجدان الوطني كمرحلة لتجديد العهد والتوافق والبناء والنهضة بين الحاكم والمحكوم، وأن تكون المصلحة الوطنية، ولا شيء غيرها، هي العنوان المتجدد سنويا للحفاظ على الإنجازات والمكتسبات وإزالة ما يعوق المسيرة.
ومناسبتنا الوطنية هذه، ليست ألعابا نارية وأهازيج، وهي ليست مناوشات واضطرابا أمنيا ومواجهات، شئنا أم أبينا، هي ذكرى لها مكانتها الخاصة، ولهذا، دار حوار بيني وبين مسئول أمني كبير في وزارة الداخلية بشأن الكيفية التي يتوجب من خلالها تجنيب البلاد تكرار حوادث مؤسفة في هذه المناسبة العزيزة، فعلاوة على اتفاق الآراء على معاني ديسمبر الوطنية وحق المواطنين جميعا في الاحتفال بهذه المناسبة وإشاعة مظاهر الفرح والابتهاج، لفت ذلك المسئول نظري حين أكد أن الحراك الديمقراطي الذي تشهده البلاد والحق في التعبير، لا يمنع أبدا من طرح الهموم والقضايا الوطنية المهمة في هذه المناسبة، لكن شريطة ألا يخرج ذلك الطرح عن المسار السلمي الهادف، ويتحول من عنوان مقبول لاستغلال المناسبة لإيصال القضايا الوطنية المهمة للحكومة، إلى حال من الصدام العنيف والتخريب وإشاعة الفوضى والتأثير على صورة الوحدة الوطنية التي يجب أن تبقى مصانة والإضرار بهذه المناسبة، فإذا كان هناك طرف لا تعنيه المناسبة، هناك طرف آخر له الحق في أن يعلن موقفه واعتزازه بهذه المناسبة، وهذا الطرف يمثل الشريحة الأكبر من المواطنين.
وعلى كل حال، فإن الحكمة في التعامل مع «شهر ديسمبر» من جانب كل الأطراف، بتقديم المصلحة الوطنية والابتعاد عن مثيرات الاضطراب والصدام العنيف، سيكون كفيلا بأن يمارس كل مواطن حقه في التعبير، سواء في الاحتفالات الكرنفالية أو في المظاهر السياسية السلمية القانونية، فلسنا في حاجة الى حريق سنوي بقدر حاجتنا إلى نظرة موضوعية حكيمة من جانب كل الأطراف هدفها مصلحة الوطن وشعبه.
وكل عام، والبحرين ملكا وحكومة وشعبا بخير