سعيد محمد سعيد

جماعة المدمن المجهول… ابقوا معنا!

 

لا يعرف الكثير من المواطنين والمقيمين الشيء الكثير عن جماعة المدمن المجهول، لكنهم مجموعة من المتطوعين من الشباب والشابات، ومن بينهم متطوعون أيضا من الأطباء والباحثين الاجتماعيين، يعملون من أجل مساعدة المدمنين على المخدرات والعقاقير والمهدئات لمواجهة واقعهم بجرأة وبإرادة للتوقف عن الإدمان، وهي مهمة صعبة للغاية.

هذه الجماعة، التي تنتشر في الكثير من دول العالم ومنها دول الخليج العربي، يجب أن تبقى في المجتمع، ويلزم وجودها أن تحظى بالدعم المعنوي على الأقل، فحسب نظام الجماعة، فإنها لا تقبل الهبات والتبرعات المالية بل ويجب أن يبقى أعضاؤها مجهولين، لكن عملهم وأهدافهم الإنسانية والخيرية الحضارية هي التي يجب أن تظهر. في شهر يونيو/ حزيران من كل عام، وهو الشهر الذي يحتضن اليوم العالمي لمكافحة المخدرات في يوم السادس والعشرين منه، تنشط البرامج والفعاليات الموجهة للمجتمع، ولفئة الشباب والمراهقين تحديدا لزيادة التوعية بمخاطر المخدرات من جانب وزارات الداخلية والصحة والجمعيات الشبابية والأندية والمراكز والصناديق الخيرية، وإذا قلنا إن جماعة المدمن المجهول هي جماعة مجهولة اسما ووصفا، لكن لابد من أن يكون لها حضور في هذه الفعاليات فلعلهم الأقرب الى تجارب الشباب الذين وقعوا في الإدمان، وتعرضت حياتهم الأسرية والاجتماعية للتدمير، لكنهم نجوا بفضل من الله سبحانه وتعالى وبفضل جهود هذه الجماعة، وإن كانت صغيرة من ناحية العدد والإمكانات. يقول أحد الشباب: «كانت تجربتي مع الإدمان مريرة للغاية… إن مجرد تذكر بضع مواقف وحوادث وظروف مررت بها كفيل بأن يهزَّ كياني هزّا، لكنني أيضا أتذكر ذلك اليوم الذي توجهت فيه بمساعدة أحد أقاربي الى مستشفى معروف لحضور اجتماع لجماعة أو زمالة المدمن المجهول، وعلى رغم صعوبة ظرفي وإدماني، لكنني وجدت أن فرصتي في النجاة والتحرر من الإدمان مواتية، وهكذا قويت عزيمتي واشتدت إرادتي لمواجهة ما أنا فيه من بلاء، وهذا ما يجعلني أحمل زمالة المدمن المجهول والجهات التي تسعى لمكافحة الإدمان الى حضور أقوى في المجتمع مع وجود أعداد كبيرة من المدمنين، شبابا ومراهقين، فهؤلاء في حاجة ماسة الى (النجاة) من الإدمان». قراءة ظاهرة تعاطي المخدرات في المجتمع البحريني تأخذ أكثر من صيغة، لكنها تتطلب اعترافا بضرورة تشديد العقوبات على تجارها ومروجيها والتصدي لهم مهما كانت مواقعهم ودرجة نفوذهم وقوتهم، فهم ليسوا إلا تجار (موت) يريدون تدمير عماد الأمة وهم الشباب، ولعلني أتذكر ما طرحه الباحث التربوي البحريني نادر الملاح من سلاح التوعية، لا يزال ضعيفا في مواجهة سلاح (التجار)! فمن المعروف أن أحد أهم الأساليب المتبعة لمواجهة هذه الظاهرة، هو التوعية والتثقيف، فعلى صعيد التوعية لا نسمع إلا عن ندوة هنا أو هناك، أو كتيبات في اليوم العالمي لمكافحة المخدرات، أما في بقية أيام العام يغيب دور الجهاز الإعلامي، فنجده متفرغا لبرامج «الفيديو كليب»، أو الأفلام الماجنة. والأمر ذاته ينسحب أيضا على مؤسسات المجتمع المدني، إذ إن التوعية من جانبها تكاد أن تكون شبه مفقودة، في الوقت الذي بوسعك أن ترى أن الجمعيات السياسية وغير السياسية تستعرض عضلاتها في المضمار السياسي، وكذلك رجال الدين أيضا، وقس على ذلك بقية قطاعات المجتمع، وخصوصا الصحافة – فللأسف – عند اللجوء إليها لنشر موضوع اجتماعي، أو لتسليط الضوء على مشكلة اجتماعية، تبقى المقالات في آخر الصف – هذا إذا نُشرت – وأنا أتحدث هنا عن صحافتنا المحلية من دون استثناء.

أما العامل الآخر – كما يرى الباحث الملاح – فهو العامل الأسري، فالإحصاءات تشير إلى الكثير من حالات التفكك الأسري في المجتمع البحريني وخصوصا في السنوات الأخيرة، لدرجة أن إحدى الدراسات المحلية تشير إلى أن حالات الطلاق في المملكة بلغت ثلث حالات الزواج، أي بنسبة 1 من 3، ومن البديهي جدا أن تكون لهذا التفكك الأسري عواقب وخيمة تدفع باتجاه الانحرافات السلوكية بأنواعها كافة.

كل تلك النقاط جديرة بالاهتمام ونحن نتعامل مع مشكلة اجتماعية خطيرة، وليست مسئوليتها ملقاة على عاتق جماعة المدمن المجهول ولا على الباحثين فحسب… فهل سنرى قريبا استراتيجية وطنية لمكافحة المخدرات تضع في اعتبارها خطورة هذه الظاهرة بكل أبعادها؟

آخر مقالات الكاتب:

عن الكاتب

سعيد محمد سعيد

إعلامي وكاتب صحفي من مملكة البحرين، مؤلف كتاب “الكويت لاتنحني”
twitter: @smsmedi

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *