ليس من الصعب القول ان الدولة تسعى لمكافحة الفقر من خلال استراتيجية عمل مدروسة، وليس من الصعب تقديم نماذج للمساعدات والخدمات التي تقدمها الدولة لشريحة الأسر المعوزة والمحتاجة، ولكن من الصعب القول انه لا يوجد فقراء في البحرين، تماما كما هو الحال في صعوبة القول انه لا يوجد فقراء في أي مجتمع من مجتمعات العالم.
غير أن ترجمة «الاستراتيجية»، أي استراتيجية وطنية لمكافحة الفقر على أرض الواقع، يتطلب إثباتا واحدا بسيطا، وهو بمثابة المؤشر الاجتماعي على التحسن المعيشي المفترض، ألا وهو استعراض مؤشرات ميدانية حيوية، من خلال دراسات اجتماعية مدعومة من الدولة، تؤكد رفع المستوى المعيشي للأسر الفقيرة.
لكن مع الجهود المبذولة من الدولة، ومن وزارة التنمية الاجتماعية تحديدا، إلا أن الكثير من الأسر البحرينية تواجه مصاعب حياتية متعددة، وليس أدل على ذلك ما شهده المجتمع من جدل كبير فيما يتعلق بعلاوة الغلاء التي سميت فيما بعد «علاوة الدعم المالي»، وكيف احتج الآلاف واحتشدوا في أكثر من موقع للمطالبة بإدراجهم ضمن المستفيدين من العلاوة، ولم يكن صعبا مشاهدة ذلك الضغط الكبير لتجديد بيانات المواطنين ليتسنى صرف العلاوة لهم.
هل يمكن مكافحة الفقر من دون شعارات ودون اطلاق بالونات التفاؤل والإدعاء بالعيش في أحسن حال؟
من بين أهم الأطروحات التي اطلعت عليها فيما يتعلق باعتبار مكافحة الفقر في بلادنا قضية مجتمعية وأولوية وطنية تتطلب وضع استراتيجية محددة ومدروسة، ما طرحه رئيس مجلس إدارة جمعية الإصلاح الشيخ عيسى بن محمد آل خليفة من أن الحديث عن الفقر في بلادنا لا يعني الأرقام فقط، وإنما يجب أن نتعامل معه كحال اجتماعية تطول قطاعا من المواطنين، ثم الدعوة الى ضرورة مراجعة السياسات القائمة للتعامل مع ظاهرة الفقر في ظل التداعيات والآثار المتوقعة للأزمة الاقتصادية العالمية، والتعامل معها كأولوية وطنية ملحة، وكذلك الانتقال من مفهوم تقديم المعونة النقدية إلى مفهوم التمكين الاقتصادي للفقراء.
إن إحصاءات الجهاز المركزي للمعلومات تشير الى أن الطبقة الفقيرة تشكل نسبة 12 في المئة، من إجمالي عدد الأسر البحرينية البالغ 83 ألف أسرة، وذلك اعتمادا على أن عدد الأسر التي تتلقى مساعدات شهرية من وزارة التنمية الاجتماعية يبلغ 9928 أسرة، ولعل من المهم التذكير بالجوانب الجوهرية المهمة التي طرحها الشيخ عيسى بن محمد والتي اقترح فيها اتخاذ إجراءات أشمل من المساعدات النقدية تتمثل في تطوير شبكة حماية اجتماعية متكاملة مستندة على برامج الحماية الاجتماعية، وبرامج التأمينات الاجتماعية، وبرامج سوق العمل، وهو ما يقتضي التنسيق بطريقة فعّالة بين جميع الجهات والمؤسسات العاملة في مجال مكافحة الفقر في المؤسسات الحكومية ومؤسسات القطاع الخاص والقطاع التطوعي، وتطوير السياسات الاجتماعية من أجل الانتقال من مفهوم الرعاية الاجتماعية إلى مفهوم التنمية الاجتماعية وتعزيز الإنتاجية في القطاعات الصناعية والزراعية