قبيل صدور الزميلة «العهد» بمدة قصيرة، وكان ذلك في العام 2003، التقيت بفقيدنا المرحوم حمد بن رجب، رحمه الله وتغمده بواسع رحمته في مجلس والده الوزير منصور بن رجب، نسأل الله لوالده ولذويه ولجميع محبيه الصبر والسلوان على هذا المصاب المحزن الذي لا اعتراض على أمر الله سبحانه وتعالى فيه… أقول، التقيت بالمرحوم في مجلسهم الكائن بمنطقة جدعلي، وكان المرحوم وقتها طالبا بالجامعة، وكان المرحوم يتحدث حول إصرار أحد أساتذته على أن يخضع لفترة تدريب عملي بإحدى الصحف، والحال، أنه على وشك إدارة صحيفة أسبوعية ستصدر بعد حين، وأنه من الممكن أن يسمح له – أي الأستاذ – بأن يقدم تقارير التدريب من صحيفته، لكن الأستاذ كان مصرا على موقفه! وتقبل المرحوم الأمر لكنه أصر على أن يقدم تقارير تدريب حول دوره في تأسيس صحيفة، وفي المقابل، لم يمانع أستاذه من أن يكون له ما أراد.
في تلك الأثناء، لم يتردد أحد الأخوة في أن يدلو بدلوه ليقول إن المرحوم لا يمتلك الخبرة الكافية ولا الدراية ولا القدرة على التعامل مع المهنة كصحافي مبتدئ، فكيف به يدير صحيفة وهي تحتاج إلى الكثير من الخبرة والتمرس وهو أمر لا يقوى عليه إلا من عصرته المهنة عصرا حتى فهم دهاليزها وتمكن من بعض مفاتيحها، بيد أن المرحوم كان يتمتع بميزة فريدة لا يمكن توافرها في الكثير من العاملين في المهنة من الشباب، ألا وهي سعة الصدر، فكان يقابل مثل هذا القول برده: «نعم، ولكنني امتلك القابلية للتعلم واكتساب المزيد من المهارات والمعارف في المهنة… اليوم، أنا أعرف القليل القليل، وغدا، سأبذل قصارى جهدي لأثبت وجودي، وهذا الأمر ليس محالا».
كانت الإنتقادات التي تتوالى على المرحوم كثيرة، حتى في حال حضوره بعض المناسبات التي يدعى إليها كحفلات الزواج أو مجالس التعزية، أو تلك اللقاءات التي تعقد هنا وهناك، فالبعض من القراء، كان يوجه انتقادات لاذعة مشحونة بالمواقف المتشنجة، وكان البعض الآخر يطرح وجهة نظره باحترام وهدوء وفي كلتا الحالتين، كان المرحوم يتقبل الانتقادات، حتى اللاذع منها والمصحوب بالعبارات الاستفزازية، بصدر رحب، حريصا على ألا ينتهي النقاش مع الطرف الآخر إلا بما يحفظ حسن العلاقة بين الطرفين، وتقديم الشكر على الملاحظات والآراء، بل ويطلب من الطرف الآخر ألا يتردد في الاتصال به في حال وجود المزيد من الملاحظات والنقد الموضوعي معترفا بأن هذا الأمر ينفعه أكثر من أن يضره أو أن يجعله مقيدا بخيبة الأمل.
سألني ذات مرة: «ما هو أكثر تحد يمكن أن يواجهنا كصحيفة أسبوعية؟»، فقلت له «إن الصحيفة الأسبوعية لا يمكن أن تنافس زميلاتها اليوميات والأسبوعيات، إلا حين يكون لها القدرة على الانفراد والتميز، وأن تتمكن من استقطاب القراء إليها من خلال تعويدهم على أن هذه الصحيفة الأسبوعية، لديها الكثير مما لا يمكن أن يحصلوا عليه في الصحف المنافسة، وهذا أمر صعب للغاية، ولا سيما في مجتمع صغير من ناحية المساحة الجغرافية، ومن ناحية صعوبة (تخزين) خبر انفرادي أو ملف خاص»، لكن المرحوم كان متفائلا لناحية إمكانية تقديم مادة مميزة، في ظل كل الصعوبات الموضوعة في الاعتبار، ولعله تميز بالفعل في إصدار ملحق متميز في موسم عاشوراء، علاوة على فتح ملف تاريخ مناطق وقرى البحرين، والحوارات السياسية في أعلام ومعالم، مضاف إليها الجهد المهني المتميز في صفحات «المجلس الوطني».
كانت الساعة تشير الى الثالثة و45 دقيقة من عصر يوم الثلثاء 28 يوليو/ حزيران عندما هاتفني محافظ المحافظة الشمالية جعفر بن رجب عم المرحوم، وحوّل المكالمة إلى المرحوم لأتحدث معه مكالمة لم تخلو من المناكفات المهنية الأخوية التي اعتدت عليها مع المرحوم الذي لم يمل من تهنئتي بالفوز بجائزة الصحافة العربية معتبرا إياها بأنها وسام للصحافة البحرينية، وختمها بالقول: «اتصل خل نسمع صوتك»… سبحان الله، لم أكن – قطعا – أدري أن هذه المكالمة ستكون الأخيرة… فما هي إلا سويعات، حتى اتصل بي الزميل ياسر محسن معظما الأجر في وفاة المرحوم (حمد) الذي كنت أتحدث معه على أمل التواصل، لكن أمر الله سبحانه وتعالى، الذي لا اعتراض عليه، وإرادته جل وعلا، فوق كل اعتبار… ولم تنقضِ تلك الليلة الحزينة، حتى توالت المكالمات لتبشر بقدوم مولودة المرحوم (ريم)… فلله الحمد من قبل ومن بعد، ورحم الله أخانا العزيز حمد بن رجب وألهم أهله وذويه الصبر والسلوان