سعيد محمد سعيد

الدول… الطائفية

 

استطاع مؤسس ومدير معهد بوسطن الإسلامي الإمام طلال عيد الإستحواذ على اهتمام حضور ندوته التي عقدت مساء أمس الأول الثلثاء بقاعة المحاضرات في مركز عيسى الثقافي تحت عنوان: «التسامح واعتدال الخطاب الديني» بحضور سمو الشيخ عبدالله بن خالد آل خليفة رئيس المجلس الأعلى للشئون الإسلامية، وذلك بفضل عمق خطابه وبساطته وصراحته ودعوته الصادقة خصوصا فيما يتعلق بتشخيص حالة الصداع بين الشيعة والسنة في المجتمعات الإسلامية، بيد أنني واحد من الذين تمنوا أن يخصص الإمام عيد جزءا من ندوته للتحذير من (الدول الطائفية) بعد أن أجزم على أن الحل الأنجح لمعالجة الخلافات السنية الشيعية هو ترشيد الخطاب الديني.

لذلك، تساءلت في جلسة جانبية مع عدد من الأخوة والأخوات الحضور عن كيفية ترشيد تعامل بعض الدول العربية والإسلامية التي هي ذاتها كحكومات وكسلطة تتبنى الطرح الطائفي؟ فهل يا ترى، في الإمكان ترشيد الخطاب الديني بين الطائفتين الكريمتين وغيرهما من الطوائف والديانات في ظل دولة غارقة في الطائفية حتى النخاع؟ فهذه دولة عربية تتبنى حملة ضد مواطنيها الأقباط، وأخرى تشعل نار الفتيل بين السنة والشيعة، ودولة إسلامية ثالثة تبنت (طائفة جديدة) من وعاظ السلاطين لتنكل بالسنة والشيعة على حد سواء.

وكانت الآراء متفاوتة، اتفاقا واختلافا، لكن من دون شك، فإن تبني حكومات عربية وإسلامية للتفتيت الطائفي بات واضحا، ولهذا، فمن الضرورة بمكان أن يكثف العلماء المعتدلين انتقاد تلك الحكومات التي تدرك خطورة نهجها الطائفي لكنها مستمرة فيه، حتى باتت الكثير من المجتمعات الإسلامية تنام وتصحو على أزمات طائفية، ولهذا أيضا، كان الكاتب اليمني فيصل جلول مصيبا حينما ركز في اطروحاته حول الطائفية والمذهبية في الدول العربية علىرفض التسامح اطلاقا مع كل حديث طائفي او مذهبي، واعتبار المتحدث مجرما وتقديمه للقضاء بهذه الصفة طالما ان الدساتير والقوانين العربية لا تعرَّف المواطنين بالقياس الى مذاهبهم وطوائفهم وانما بالقياس الى انتمائهم الوطني او العربي.

الإمام طلال عيد وصف العقود الماضية بأنها مثلت تاريخا مليئا بالحزن بين الشيعة والسنة نظرا لحساسية الموضوع، وأن هذه الحساسية تتنامى في كل بلد يعيش فيه السنة والشيعة، وأن لا طريقة أفضل من ترشيد الخطاب الديني بحيث يكون متوافقا مع خطاب القرآن الكريم المليء بالأسس التي تساعدنا في أن ننجح في ذلك، لكنه ساق مقارنة مفيدة، مشيرا الى الولايات المتحدة الأميركية التي أسست مجالس للحوار بدأت بأتباع الديانتين المسيحية واليهودية رغم الخلافات العميقة بينهم، واستطاعوا القفز على خلافاتهم بالحوار الذي شجعته اميركا بل وتشجع المؤسسات التي تؤمن بالحوار من خلال دعمها بالمنح المالية.

وأيضا، كان المحاضر صريحا حينما اعترف بأنه في بداية مشواره في خطب الجمعة، كان يستخدم الخطاب العنيف وباستخدام مفردات الأمر والنهي، لكنه غير خطابه بعد أن عاد الى القرآن الكريم والى خطب نبي الأمة محمد (ص) ولم يجب فيها اطلاقا ما يشابه ما هو منتشر من خطب جمعة عنيفة شديدة، فكانت الثمار يانعة، حيث أصبحت خطبه أكثر فاعلية من سابقتها.

إن علماء الأمة المعتدلين اليوم مطالبين برفض كل اشكال التعاطف والتضامن مع المذهبيين والطائفيين تحت اية حجة من الحجج، فلا الظلم يبرر انبثاق الطائفية ولا الديموقراطية تجيز الطائفية ولا حقوق الانسان تفرض تشريع الانقسام المذهبي لأن كل الحجج والذرائع التي يستخدمها الطائفيون والمذهبيون حجج وذرائع باطلة والغاية منها تفتيت الأوطان… لكن تصبح المشكلة أكبر حين تتبنى دول وحكومات هذه الذرائع.

آخر مقالات الكاتب:

عن الكاتب

سعيد محمد سعيد

إعلامي وكاتب صحفي من مملكة البحرين، مؤلف كتاب “الكويت لاتنحني”
twitter: @smsmedi

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *