سعيد محمد سعيد

الراقصون في الأفراح والأحزان

 

لم يعد مستغربا أمر الجنود المجهولين الذين يقدمون الغالي والنفيس في اللذود عن حياض الوطن، ويتقدمون الصفوف الخفية (ولتكن الخلفية) إن جاز لنا التعبير، وهم يشمرون عن سواعدهم بفرقعات وشعارات وسلالم مجد من ورق في ادعاءاتهم بأنهم إنما يقدمون كل ذلك العمل الوطني الجبار من أجل دين الله ومن أجل الوطن ومن أجل ولاة الأمر.

لم يعد أمر نشاطهم مستغربا خصوصا مع حدوث أي صورة من صور الإنفراج في البلاد؟ لكن ما يثير الإستغراب فعلا، أن أولئك المدعومين من قبل من أطلقوا على أنفسهم نشطاء سياسيين أو اجتماعيين أو حتى المدعين على الدوام بأنهم جنود للوطن ممن يصعدون على المنابر ويطلقون الخطب العصماء الهوجاء في آن واحد، أننا نجدهم في حالة رقص دائم في الأفراح والاحزان! حتى أن الحدث التاريخي المهم بالإفراج عن معتقلي كرزكان يوم أول أمس (الثلثاء)، والذي يؤكد نزاهة القضاء البحريني، جعلهم ينشطون بصورة غير طبيعية في المجالس وفيما بين بعضهم البعض، مستندين على ثلاثة مواقع الكترونية مشهورة بأهدافها الفتنوية في المجتمع… لكن رقصهم هذه المرة، ليس ككل مرة… ففيه من الإساءة الى الدولة والى الحكومة والى قضائها الشيء الكثير…

إنهم يرون أن كل من يدخل السجن بتهمة التخريب والتحريض على كراهية السلطة، لابد وأن يصدر الحكم (بإعدامه)! وإن صدر حكم القاضي ببراءة متهم، فإن التنكيل هنا والغمز واللمز والطعن… يجب أن يتوجه الى القضاء، وما يلبث هذا الطعن أن يتحول من أولئك الذين عهدناهم دائما يرفعون شعار طاعة ولي الأمر كذبا ورياء ونفاقا مقيتا، الى أقوال من قبيل: «على البحرين السلام»… أو من قبيل: «رضوخ الحكومة لتهديدات الإرهابيين»، وربما تمادوا أكثر ليدعوا الطائفة الأخرى إلى النزول وافتعال الحرائق والتخريب لكي تتم الإستجابة لمطالبهم.

ظهيرة يوم الثلثاء الماضي كانت مفعمة بالفرح والسرور والثناء على القضاء ونزاهته، وكنا نرى المعارف والزملاء من الطائفتين الكريمتين يعبرون عن فرحهم لا لأن (إرهابيا) نفذ بجلده من العدالة، بل لأن هناك قضاء عادلا نزيها قال كلمته الفصل بكل عدالة، وهو جهاز يأتي على رأس مجلسه جلالة الملك الذي يمثل (ضمير الأمة قطعا)، والراعي المسئول عن رعيته الحاكم بالعدل الرافع للظلم عن كل من وقع عليه ظلم… لكن ذلك بالنسبة لدى البعض كيل بمكيالين! فترتفع أصوات منكرة لتقول: إذا صدر الحكم في صالح الإرهابيين قلتم أن القضاء نزيها، وإذا صدر حكم بالسجن والعقوبات قلتم أن القضاء ليس نزيها… كل ذلك لا يهم، طالما نحن في رحاب دولة قانون ومؤسسات.

ومن قال أن من تثبت عليهم تهم التخريب والتحريق والإرهاب يجب أن يطلق سراحهم ليمشوا ساخرين من القانون؟ ومن قال أن من تثبت عليهم تهمة (قتل نفس) يجب أن يخرج مرفوع الرأس؟ مرارا وتكرارا، طرحت في هذه الزاوية، وطرح غيري من الزملاء في أعمدتهم، موضوعات انتقدت بشدة أفعال التحريق والتخريب وتدمير الممتلكات العامة والخاصة والإضرار بالقرى، والتحريض على كراهية النظام وكراهية المجتمع بأكمله، وحذرنا الشباب من كل ذلك، لكن من الإعتبار لكل الممارسات المطلبية السلمية القانونية التي لا يمكن قمعها أبدا وقد منحها الدستور للناس.

سينشط الراقصون في الأفراح والأتراح، لكن لن يجدوا لهم آذانا صاغية… فقط لننتظر قليلا.

آخر مقالات الكاتب:

عن الكاتب

سعيد محمد سعيد

إعلامي وكاتب صحفي من مملكة البحرين، مؤلف كتاب “الكويت لاتنحني”
twitter: @smsmedi

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *