أكثر من حادثة «طائفية» شهدتها مدينة المحرق، على مدى سنوات خلت، لكنها لم تتمكن من شق صفوف أهاليها، ولم تترك من الآثار السلبية، إلا ما علق في رؤوس مثيريها فقط!
ومع ذلك، لا يمكن الجزم بأن الممارسات الطائفية التي تهدف إلى اشعال نار فتنة وصراع بين أهالي المحرق ستنتهي بعد حين، إلا أنه يمكن الجزم بأنها ستفشل، فإذا كان هناك من ينوي الاستمرار في فعله الطائفي، فليختصر على نفسه العناء والشقاء والمرض النفسي، ولا بأس من أن يخزي الشيطان، ويعود الى صوابه، ذلك أن ما سيقوم به من عمل، سيكون مآله الفشل وبئس المصير.
وإذا كان الاحتفال بزواج 100 عريس من الطائفتين الكريمتين يوم الجمعة الماضي، يقدم نموذجا لمدينة عريقة تتحدى الطائفية، فإن ثمة أمر لا بد من الإشارة إليه باعتباره السبب الأقوى في تحصين المدينة من أوجاع الممارسات الطائفية، وهو أن أهالي المحرق، وخصوصا علماء الدين والشخصيات والمثقفين من الطائفتين الكريمتين، يدركون أنه من الواجب التصدي لأي بوادر فتنة كائن من يكون صاحب اليد المحرك لها.
لقد كان لرجال المحرق المخلصين، مواقف وطنية ثابتة في قراءة كل تحرك أو ممارسة تستهدف إثارة الفتنة في مدينة تعتبر النموذج الأول للتعايش بين الطائفتين في البلاد، ولا تزال اللقاءات مستمرة بين شخصيات ووجهاء وعلماء الدين في المحرق متواصلة، بل ويمكن القول، إن غالبية مجالس المحرق الشهيرة لأكبر وأعرق عوائلها، هي اليوم بمثابة حائط الصد لأي ممارسة أو فعل شرير ينوي بالمحرق وأهلها شرا، وقد سنحت لي الفرصة لحضور الكثير من اللقاءات في تلك المجالس، في ظروف عاصفة مرت بها المدينة كحادثة عراك الحالة، ومقتل المرحوم مهدي رمضان، وحادثة الكازينو، واثبت أهل المحرق أنهم لن يقبلوا بأي ممارسة خبيثة تقسمهم الى فرق ومذاهب وأحزاب، إيمانا بضرورة القيام بالمسئولية الوطنية والدينية للتصدي لكل من تسول له نفسه العبث بالتلاحم الاجتماعي والنسيج الذي يربطهم مع بعضهم البعض.
لقد عاشت المحرق ليلة من ليالي الفرح والسرور بحضور أهلها من الطائفتين، ولم تسمع في تلك الليلة، إلا أصوات الخير والمحبة، أما أصوات النشاز فكانت غائبة، وستغيب على الدوام، لكن لابد من التأكيد على أهمية أن (التربص المريض)لاستغلال بعض الحوادث وتأجيج المواقف بناء عليها، يتطلب قطع الأيدي التي لا تزال تنوي شرا، فاستهداف المحرق هو استهداف لنموذج وطني فذ، ولا تكفي حسن النوايا فقط للركون الى العافية.
ألف مبروك للعرسان وذويهم، وألف مبروك لأهالي المحرق جميعا على هذا العطاء البحريني الأصيل الذي تستمد منه البحرين كلها، عطاءها وكرمها