من خلال التواصل مع القراء الكرام، عبرالسيل الكبير من الاتصالات الهاتفية أو اللقاءات، حتى العابرة أو اللحظية منها، التي تمحورت بشأن موضوع “البضائع المجانية الرخيصة”، يمكن أن نكتشف تلك النفسية البحرينية والإسلامية الحقيقية التي ترفض العبث بالعلاقات بين أبناء المجتمع بمختلف طوائفهم، على أيدي مثيري الفتن المتفننون في بث السموم والجراثيم عبر اليوتيوب خصوصا، والمواقع الإلكترونية عموما.
ولعلني شخصيا، أكن كل الاحترام والتقدير للقراء الكرام، من الطائفتين الكريمتين، الذين لم يألوا جهدا في التحدث معي مباشرة أو الالتقاء بي هنا وهناك وهم يجمعون على أن مثل تلك البضائع التي تملأ الدكاكين الطائفية كثيرة، ولكنها، إنصافا تصدر من العابثين والمؤدلجين من أبناء الطائفتين، وإن بدرجات متفاوتة، ولا يمكن تبرئة أي طرف يأتي بذات الفعل، خصوصا وأنه ليس فعلا وعظيا أو إنسانيا أو أخويا صادقا، فتبقى مقاطع التكفير والدعوات للقتل ونشر العداوة والبغضاء والتناحر والتخويف والتخوين والتشكيك في الولاء والانتماء والاستهزاء بالمعتقدات، هي السلع الأكثر انتشارا، ولها زبائنها، لكنهم لا يختلفون إطلاقا عن زبائن الدكاكين النتنة وبيوت الخسّة.
المهم، أن الصورة المشرفة التي وقفت عليها شخصيا، وهي مكنونة لديّ من قبل، هي أن أصحاب الضمائر الحية والنفوس المطمئنة، من السنة والشيعة، لا يرتضون بمثل هذه البضائع الكريهة، انطلاقا من احترام معتقدات كل البشر، ولهذا، اختتمت عمود يوم الخميس الماضي بهذا التساؤل :”لماذا؟ وما هي أسباب ودوافع هذه الخطابات؟”، ولعلني أجيب عليه باختصار.
وقبل أن أجيب، اطلعت على أحد المواقع الإلكترونية الطائفية الشهيرة، وهو ليس موقعا بحرينيا على أي حال، ووجدت فيها نقاشا بشأن ما كتبته في الحلقتين الماضيتين، ووجدت ولله الحمد، أن هناك من اعترف بأنه عمل وسعى واجتهد لإصدار نماذج من المقاطع والأعمال التي تثير العداوة بين أبناء الأمة الإسلامية، وانتبه في لحظة من اللحظات بأن ما يفعله أمر خطير، ومع صحوة الضمير، يأتي الاعتراف (الفاضل) بأن لكل مسلم الحق في اتباع المذهب الذي يرتضيه، وأن أي ممارسات سيئة بغيضة تكفيرية أو عدائية، لا يمكن أن تنسب إلى المذهبين الكريمين، إنما تنسب إلى المرضى من المنحرفين عن الخط القويم.
ولذلك أجيب بالقول أن الأسباب والدوافع ليست صادقة النية في الدفاع عن الدين كما يبرر تجّار تلك البضائع الوضيعة، إنما هناك، وببساطة، من يدفع الأموال الطائلة ويخصص المواقع والمراكز المجهزة، ويستخدم في العمل فئة من الشباب المتطرفين ذوي الأدمغة المغسولة، ويدفع لهم الأعطيات الكبيرة والهدايا ويبارك عملهم، ويمزج تلك النوايا بشعارات القتل والنيل من الإسلام، فيما يشرب رؤوس الفتنة من مشايخ التشدد والتطرف نخب الانتصار فرحين بما يشاهدون، لكنهم يستاءون حينما يجدون أن هناك مدّا كبيرا من المخلصين، يتصدون لفضح تلك البضائع.
في إمكان الأجهزة الحكومية المختصة في كل الدول العربية والإسلامية، إن كانت تؤمن بمبدأ استقرار أوطانها، أن تترصد لمثل أولئك التجار، وكما كان متاحا منح المواقع الإباحية النجسة، بالإمكان أيضا التصدي لمثل هذه النجاسات، لكن هل من قرار؟