الوزراء هذه الأيام ينامون على الرصيف في شارع الصحافة، يقبلون أكتاف الصحافيين وأيديهم لنشر تصريحاتهم «الإصلاحية»، وهم يصرحون لكل عابر، والقلم والورق على حسابهم، وقد يصرّحون ثم يكتشفون بأن الواقف أمامهم عامل كهربائي يشتغل في أحد كراجات الشويخ الصناعية المجاورة لشارع الصحافة ساقه سوء الحظ للمرور أمام خيام الوزراء المنتشرة في شارع الصحافة.
الوزراء أولئك يعلمون بأن الحكومة لن تعود كما كانت، وأن الانسحاب الحكومي من جلسة البرلمان الأخيرة سيجبرها على دفع الثمن، والثمن هو رؤوس بعض الوزراء الصغار، رغم أنهم «ليسوا في العير ولا في النفير»، أهل العير أربعة وزراء أو خمسة على الأكثر، سمو الرئيس ونوابه وأحمد باقر ومستشاره الدكتور إسماعيل الشطي، ولا أدري ما هو ذنب الوزير الذي «يحترم» نفسه كثيرا ولا يتحدث عن أي شيء في أي شيء، حتى لو كان الحديث عن وزارته سيستمع وينصت بأدب، ولا أدري ما الذي جناه على نفسه ذلك الوزير الذي يتواجد في وزارة التجارة أكثر مما يتواجد في وزارته، ليستخرج الرخص التجارية بأنشطة لها علاقة في مجال عمله، وهو لم يكن يمتلك الوقت للتباحث مع زملائه في مجلس الوزراء، ولم يشارك في خطة الانسحاب، لكنه وكما سرت الشائعات سيغادر الحكومة على أول طائرة، والشائعات هي المصدر الوحيد الموثوق هذه الأيام، فالحكومة تخاف من التصريحات، إنما المؤكد هو بقاء أحمد باقر في الحكومة، خوفا على حياته.
وكل ما نشاهده الآن ونسمعه ما هو إلا توابع لزلزال استجواب واحد، تهدّم بسببه مبنى مجلس الوزراء على رؤوس الجالسين فيه. على أن موضة «استجواب الوزراء» انتهت وحل محلها موضة «استجواب سمو رئيس الوزراء»، ونحن شعب يعشق الموضة ويتبعها. وسنموت لشدة الضحك لو أعلن نائب هذه الأيام عن عزمه استجواب أحد الوزراء، وسيبقى صاحبنا النائب وحيدا في العراء، لا جمهور حوله يستمع لوجهة نظره، أبواب القنوات الفضائية والصحف موصدة في وجهه! استجواب وزير حاف؟ يااااه.
وبعد سنوات ستنتهي أيضا موضة استجواب سمو رئيس الوزراء، وسنموت لشدة الضحك لو أعلن نائب عن عزمه استجواب سمو الرئيس، فلا شيء يبقى على حاله، وسبحان الذي يغير ولا يتغير. وسيبحث النواب حينئذ عن موضة جديدة، وسيتلفتون يمينا ويسارا بحثا عن «أكشن»، وستقع أعينهم على زميلهم النائب الموسوعة ناصر الدويلة فيصرخ ويطلق ساقيه للريح، لكنهم سيحاصرونه ويستجوبونه استجواب رجل واحد، فيلجأ للحكومة فتخذله، احتراما لـ «عاداتها وتقاليدها».
ولن يقف مع الموسوعة ناصر الدويلة ويشد من أزره سوى النائب علي الراشد الذي سيبكي دماً لو حُل المجلس، وسيتلقى العزاء لسبعة أيام بلياليها، آجره الله في عضويته وأبدله خيرا منها، وإنا لله وإنا إليه راجعون.