الجملة ما بين القوسين في العنوان للمعلق المصري الشهير اللواء علي زيوار الذي توفي قبل ثلاث أو أربع سنوات رحمة الله عليه، وله جملة أخرى يحبها عشاقه وأنا منهم ويعتبرونها جملة موسيقية تعادل أو تفوق جُمل الموسيقار بيتهوفن عندما يصرخ بصوته المبحوح: «يا ولد يا لعّيب». ولزيوار تفسيره الحصري للحياة ومشتقاتها، وكان يرد على من يسأله عن سبب ارتدائه سلاسل وخواتم ذهبية بالقول مستغربا: «اللللله، يا أخي وأما بنعمة ربك فحدّس، انتو مبتقروش القرآن والا ايه؟». ولو أنني تحدثت عن زيوار وتعليقه على مباريات مصر أيام الدراسة في المحروسة لأدرك شهريار الصباح قبل أن أنتهي، ولكنني سأستعير منه جملته العذبة «باصة طويييييييلة تقلب الملعب» لأسقطها بالباراشوت على موقف محامي الصفقات المشبوهة النائب المليونير أحمد المليفي عندما هاجم بضراوة سمو رئيس الحكومة وانتقد عزمه السفر للولايات المتحدة.
وللمليونير المليفي الحق في انتقاد سفرات رئيس الحكومة التي لا تنتهي، ولا أعتبر ذلك تدخلا في اختصاصات السلطة التنفيذية، كما يعتقد سمو الرئيس، فرئيس الحكومة حفظه الله (الدعوة الأصح للرئيس يجب أن تكون «أعاده الله سالما» وليست «حفظه الله»، فهو مسافر على طول الخط)، أقول بأن الرئيس يعيش في الجو وفي فنادق الأغراب أكثر مما يعيش بيننا، ويسافر ويتركنا ومشاكلنا الكثيرة عند نائبه الأول الشيخ جابر المبارك، والشيخ جابر لن يحرك ساكنا ولن يسكن متحركا قبل أن تحترق روما، وإذا احترقت روما انزوى هناك وانطوى، ومشاكلنا جلها إن لم يكن كلها بسبب الرئيس ونائبه وحكومته، والمشاكل تحتاج مواجهة وقراراً، والقرار عند الرئيس، والرئيس في الطيارة، والطيارة فوق الغيم والغيمة بكرة بتمطر… يا لالالي.
لكن من يتابع مسيرة المليفي في التجارة أو في البرلمان (لا فرق) يدرك بالطلاق بأن المقصود من هجومه الأخير على الرئيس هو أن «يقلب الملعب بباصة طويييييييلة» بعيدا عن المصفاة الرابعة التي حتما ولا بد أن نجد له فيها ضلعا أعوج. والمليفي لعّيب حواري محترف، ويعرف من أين تؤكل الكرة، وسيضرب الصدر أمام كل تاجر مزنوق، وشبيك لبيك المليفي بين يديك، وسيجد بدلا من الحل الواحد عشرة حلول، وقيل بل خمسة عشر، واختلف الرواة، وسيتضاعف رصيده كحسنات المسلم، والحسنة بعشرة أمثالها. ولو لم تنجح الخطة هذه فغيرها الكثير، وجيب السبع ما بيخلاش.
وهناك مصيبة أخرى، كارثة بسبع درجات على مقياس الأستاذ ريختر، فالعيون شاخصة تراقب التكتل الشعبي وما سيتخذه من مواقف في قضية المصفاة الرابعة، وهو ما يفقع المرارة ويشعل في العيون شرارة، وأن تذكر سيرة عزرائيل خيرا من أن تذكر سيرة التكتل الشعبي أمام المليفي، فالشعبي يسبب له تآكلاً في الأنف ونشفاناً في الحلق، كما كان صديقي السعودي يسمي جفاف الحلق. والمليفي عنصري من الطراز الحديث، ويموت كلما شاهد قطبا برلمانيا من أبناء القبائل، ويتمنى لو كان نواب القبائل كلهم على شاكلة نواب الفرعيات الأخيرة، الذين يسيرون تحت الساس، ويتلمّسون الرأس، بعضهم طبعا لا كلهم. والمليفي الآن مثل الكنافة بين نارين، فهو ضد الشعبي من ناحية المبتدأ والخبر لكنه في الوقت نفسه يدفع مليوناً من ملايينه لطرح الثقة في أي وزير ينتمي للقبائل، وما بين هذه وتلك ابيضّ شعر رأسه واصفر رمش عينه، شافاه الله وعافاه، فلعب «باصة طوييييييلة تقلب الملعب». والله يرحمك يا زيوار لو كنت بيننا لتركت عنك مدح مختار مختار وحمادة إمام ولصرخت بأعلى حنجرتك: «يا مليفي يا لعّيب».