بصراحة، ما تقوم به بعض الشركات هذه الأيام من أجل إجبار الحكومة على تعويض خسائرها بالمليارات هو نوع من النذالة، أو هو النذالة بكل أنواعها… هناك شبه اتفاق بين بعض الشركات الكبرى على فصل الموظفين الكويتيين وطردهم من مقار أعمالهم ليصرخ التجار بعد ذلك: «عطونا المليارات مو عشان خاطرنا، لا، عشان يرجعون هالمساكين المشردين لوظائفهم». والغريب أن الطرد جاء من نصيب الكويتيين فقط ولم يصل إلى الوافدين، في غالب الأحيان. شوف: النذالة عندما ترشّها بالقذارة ستحصل على خسّة أبا عن قح.
بعض أصحاب المليارات خسروا مئات الملايين وبقي عندهم مثلها وأكثر، وهم في سبيل تعويض ملايينهم المفقودة سيقطعون أرزاق الأسر البسيطة، فهل نجازي النذالة بإحسان؟ ثم ان غالبية هؤلاء «التجار المشافيح» لم يتبرعوا ببنت شفه وقت الرخاء، وإن تبرعوا فبمبالغ لا تذكر مقارنة بما حلبوه وهبشوه من الدولة.
الأمر المضحك أن غالبية النواب، المتباكين اليوم على الاقتصاد الكويتي والخائفين يا حرام على وظائف الشباب وأرزاق عوائلهم، لم نسمع لهم صوتا في الكذبة الكبيرة المسماة «صندوق المعسرين»، وهو الذي خصص لإنقاذ الأسر من السجن. يا سيدي كل الحكاية تمثيل في تمثيل. قال خوفا على البسطاء قال.
أما الأمر المثير للإعجاب والتصفيق فهو موقف ذلك الاقتصادي العظيم السيد جاسم السعدون، والذي كتب عنه الزميل زايد الزيد مقالة جميلة، ذكر فيها (بتصرف وإضافة) أن البنك المركزي طلب من الشركات إفادته بخسائرها، فتباكت بعض الشركات وولولت وأرسلت صورا لملاكها وشعورهم منفوشة وجيوبهم مشقوقة وقمصانهم مقدودة من دبر يستجدون ويتباكون، بينما جاء رد جاسم السعدون مختصرا شامخا عفيفا: «لا نحتاج منكم مساعدة، لا في هذه الأزمة ولا في الأزمات المستقبلية، نحن من اتخذ القرارات ونحن وحدنا من يتحمل نتائجها»، والله العظيم أكتب وأصفق في نفس الوقت، يا رجل ما هذا الشموخ، لله درك! وكما يعرف الجميع، جاسم السعدون هو رئيس مجلس إدارة شركة «الشال»، والشال ليست بقالة تبيع الحفاضات والبصل والثوم، ولا هي منجرة في الصناعية، بل إحدى أكبر وأصدق الشركات الاستثمارية، تتأثر بالظروف المحيطة كغيرها من نظيراتها، لكن الفرق يكمن في عقلية القيادة وفي الشموخ الداخلي الذي يمنع هذا من الاستجداء والسطو على أموال الشعب، ويدفع ذاك للصراخ والعويل كما الندابات.
موقف جاسم السعدون هذا سنردده وسنكتبه مرارا ومدرارا، وسننظم فيه القصائد بالشعبي وبالنحوي، وسنتحدث عنه في وسائل الإعلام، بمناسبة وبدون مناسبة، لتعرف أجيالنا القادمة الفرق بين الرجال «إذا صكت الحديدة بالحديدة»، ورفعت الأزمات بيارقها الحمر… والأزمات هي دفاتر التاريخ يا صاحبي.
* * *
أستأذنكم بالتوقف عن الكتابة إلى حين ميسرة، بحثا عن لحظات الهدوء التي خرجت ولم تعد، وانقطع نسلها، فلا حس لها ولا خبر، لذا قررت البحث عنها بعرق جبيني.