بعدما علكنا كلمات الترحيب والتسهيل كلها، قال لي وهو يدحرج ابتسامة معلبة: «وبعدين معاك؟ وين تبي توصل بكتاباتك التي تكسر المجاديف؟»، فقلت وأنا أسحب نفسا عميقا من سيجارتي: «حدد قبل أن نغرق، مجاديف مَن طال عمرك؟»، فعدّل جلسته وتحدث بجدية مستوردة، أراد من خلالها بث الرعب في مساحات الصالة التي جمعتنا بطلب منه: «مجاديف الحكومة والشيوخ الوزراء، ومجاديف الكتل السياسية، ومجاديف كل من يمشي على هذه الأرض»، قلت وقد حبكت النكتة معي: «وأنتم لكم مجاديف مثلنا؟ يا عمي أنتم تمشون على البخار»، فقال وهو ينتزع كلماته من بين قهقهته: «صدقني نحن مثلكم بشر، مثلكم نروح الحمّام، هاهاها»، فانتزعت بدوري كلماتي من بين قهقهتي: «العامل المشترك بيننا وبينكم هو الحمام»، وعلت الضحكات…
نفسٌ آخر من السيجارة كان هو الفاصل بين ضحكاتنا وحديثنا، قلت خلاله: «استغفر الله، أنتم أجلكم الله لستم مثلنا، هل شاهدت مستشفى العدان من الداخل؟»، فأجابني وهو يتأهب للاحتفال بتسجيل هدف: «نعم، أكثر من مرة زرت فيها مرضى»، قلت: «أقصد هل تعالجت في مستشفى العدان، أو عالجت أبناءك فيه؟»، وأردفت دون أن أنتظر إجابته التي أعرفها مسبقا: «هل حاولت إنجاز معاملة في مبنى الشؤون في منطقة الأحمدي الذي تأنف الكلاب الأصيلة من التبوّل فيه؟، هل حكت لك امرأة في عمر أمك عن عدد الإدارات والمباني المتباعدة التي عليها دخولها للحصول على تواقيع الآلهة – الجالسين على عروشها بالواسطة – قبل أن تحصل هي على مساعدة الشؤون الضئيلة، وكان بإمكان حكومتك، أم المجاديف، الاستعانة بالانترنت لإنجاز معاملة العجوز أثناء جلوسها بكرامتها وبجانبها عصير الليمون؟ والله لو كنت استمعت لها وهي تروي لي مرمطتها لبكيت ولو كان قلبك من الحجر البركاني، ولطالبت بإحالة الحكومة بأكملها إلى أمن الدولة. وللعلم، كانت هذه الأرملة عنوانا لحلقة من حلقات برنامجي لولا أنه تم إيقافه. هذه العجوز يا طويل العمر لا تعرف الداو كيميكال ولا المصفاة الرابعة ولا محفظة الهوامير أم الستة مليارات دينار، هي تعرف أن لها راتبا على الدولة قيمته ثلاثمئة وخمسون دينارا تذوق المر قبل أن تمسكه بيديها، وتقول بعد أن تمسح عرقها وهي تجلس منهكة أمام بوابة الشؤون «الله يعز الحكومة»، طيّبة جدا هذه الأم صدقني، طيبة كغيرها من هذا الشعب الذي لن تجدوا مثله، والذي يحبكم رغم كل شيء، ويذوب فيكم».
وأكملت: «يا سيدي، لا مجاديف لكم ولا مشاعر. أنتم حاولتم تشويه سمعتنا – نحن خصومكم السياسيين – بكل ما تملكون، وأنتم تملكون كل شيء، المال والسلطة ومؤسسات الدولة، وانتشرتم في الانترنت والصحف والمدونات تهاجموننا في الطالعة والنازلة وتفترون علينا وتقبضون رواتبكم من أموالنا، ومع هذا كله لم نشتكِ، فلماذا تشتكون وأنتم الأكثر والأقوى؟»…
قال وقد استحوذ على كل الجدية المتوافرة في الأسواق: «لماذا تعتبرنا شخصا واحدا؟ أنا على سبيل المثال لا أكرهك»، ثم وبحرفنة يتضاءل أمامها نور الشريف، لوى أعضاء وجهه بسرعة صاروخية فإذا هو يبتسم ويقول: «بل على العكس، صدقني أنا أصبحت أغار منك لكثرة امتداح زوجتي لمقالاتك، نحن معك ونتفهم مقالاتك، الكويت لا تستحق منا ذلك، لكن يا سيدي المطلوب منك أن تخف شوية، شوية بس»، قال ذلك وهو يوجه الخادمة الفلبينية المنشغلة بترتيب أطباق الغداء، ثم همسَ باسما وهو يضغط بيده على فخذي: «بس تعال، تريد أن تقنعني بأنكم ملائكة، وأنكم زاهدون في الدنيا، يا رجل كل شنب وله مقص»، فقلت وأنا أبادل همسته الباسمة بأخرى مثلها، مساوية لها في المقدار ومخالفة لها في الاتجاه: «هذا الكلام تشجعون به أنفسكم كي لا تنهاروا أمام ضعفكم، لكنكم من الداخل تعرفون الفرق بيننا وبينكم، وتعرفون حجمكم أمامنا».
وعلى باب فيلّته الفارهة ذكّرته بأنه لم يبق سوى أن تعرض الحكومة كراسي الوزراء في سوق الأثاث المستعمل، بعدما رفض الجميع المشاركة فيها لدواعي السفر، ولم يقبل سوى جابر المبارك وأحمد باقر ومصطفى الشمالي وعلي البراك وبقية أبطال الوزن الخفيف، وها هو ذا النائب خلف دميثير يرفض، فمَن بقي، سعد الخنفور؟ أم صالح عاشور الذي سيملأ البلد بمليون «فالي» وفالي؟… ثم ضغطت على كفه بكفي ونصحته: «قل لطويل العمر يتنحى عن الرئاسة بنفسه، وبأسرع وقت، حبا في الكويت وأهلها، بعدما وصل بنا الحال أن حمل خالد السلطان كرسي الوزارة على ظهره ووقف به على ناصية الشارع يستجدي المارة الجلوس عليه»… قلت له ذلك ثم غادرت باتجاه منزلي المؤجر، وكل منا يعتقد بأنه حصد النقاط الثلاث وتأهل للنهائي.