د. شفيق ناظم الغبرا

دعوات القتل… تشويه لصورة الإسلام

مازال العالم الإسلامي، كما تؤكد مؤتمرات ولقاءات حوار الأديان، يحاول جاهداً أن يقول للعالم بأن الإسلام دين دعوة حسنة، وانه دين حرية ودين قناعة واستسلام لله لمن يشاء. لهذا تأتي دعوات القتل والإعدام، كما حصل مع فتوى الشيخ صالح اللحيدان، رئيس مجلس القضاء الأعلى في المملكة العربية السعودية، بحق ملاك الفضائيات العربية لتؤكد الصعوبات التي يواجهها العالم الإسلامي في سعيه إلى تطبيق سلطة القانون قبل سلطة الفتوى، وفي سعيه إلى احترام حقوق الآخرين وحق الاختلاف، بعيداً عن التهديد بالقتل.
لقد توقف رجال الدين الغربين منذ قرون عن هذه الدعوات بفضل القوانين التي وضعتها الدول، والتي تمنع ما من شأنه تجاوز القانون والدعوة إلى القتل. كما نجحت الدول الحديثة المدنية في الحد من كل ما من شأنه التدخل بحرية التعبير وبخصوصيات الناس وبحرية المشاهد أن يرى ويقرأ ما يريد ضمن إطار يفرق بين الفئات العمرية وبين الكبار والصغار وهكذا. إن منطق الوصاية على الناس وعلى المجتمع والأفراد واجه أكبر هزيمة في التاريخ عندما سقطت الشيوعية في معظم دول العالم. وكان هذا المنطق قد واجه هزيمة كبيرة في التاريخ عندما سقطت الدول النازية والفاشية وانتصرت الديموقراطية الليبرالية في الكثير من دول العالم. فلماذا يربط اسم الإسلام بمنطق القتل والوصاية، عوضاً عن ربطه بكل ما يساهم في كرامة الإنسان وعلمه وتطوره وحرية نهله ما يشاء وما يريد من الإسلام بصفته ديناً مرناً متسامحاً يخاطب كل انسان؟ إن إحياء فكرة الوصاية على الناس والأفراد معركة خاطئة وجهد في مكان خاطئ لقادة الدين في بلادنا. فالوصاية هذه لن تُصاب الا بالفشل لأنها تسير بعكس التاريخ وبعكس مسار الواقع والحقيقة، كما أنها ستزيد من أعداد الناس الذين لا يفهمون الإسلام، وتساهم في عزل المسلمين وفي الحرب الموجهة ضدهم. هذا المنطق سيسبب لنا التراجع والتقوقع.
في أواخر التسعينات كانت أشهر فتوى هي تلك التي جاءت من قبل الإمام الخميني بخصوص قتل سلمان رشدي. فماذا حصل بعد تلك الفتوى؟ كان رشدي كاتباً مطموراً لم يقرأه أحد، وكانت روايته لا تمثل أدباً عالمياً، ولم يكن أحد قد سمع بها. فإذا بالفتوى تحوّل رشدي إلى كاتب عالمي قرأ كتابه ملايين الناس. لقد تحوّلت فتوى القتل تلك إلى وسيلة للتساؤل بين قطاعات كبيرة من الناس، مما عمم الكتاب وساهم في شهرة صاحبه الذي مازال حياً يُرزق وحقق مبيعات خيالية من كتابه. إن تجربة سلمان رشدي هي التي يجب أن نتعلم منها. فالتهديد بالقتل لا يلغي وجود كتاب، كما أنه لن يقفل فضائية، ولن يغيّر ما نراه ونسمعه في الفضائيات كافة. في نهاية اليوم التهديد بالقتل والإعدام لا ينهي ظاهره، بل الرد عليها وخلق بدائل حقيقية على أسس منطقية هو الذي يحقق الهدف أو بعضاً منه.
إن محاربة الفضائيات لأنها تبث الموسيقى وتنشر الغناء والرقص سيؤدي إلى زيادة الغناء وليس العكس. وهل لو تم إغلاق الفضائيات العربية كلها سيصبح الفضاء خالياً من الرقص والغناء والـ»MTV» وآلاف القنوات المنتشرة في كل مكان في العالم؟ وهل ستغلق الإنترنت و«اليوتيوب» و«فيس بوك» وغيرها؟ إن الفتوى، كما جاءت، هي فتوى خالية من أي ارتباط بالواقع والعصر ودولة القانون وطبيعة الإنسان المعاصر، وهي خالية من علم النفس وعلم الإنسان، وهي تهدد مثل غيرها من الفتاوى بتحويل العرب والمسلمين إلى أمم خالية من الثقافةوالموسيقى والفن، وكل ما له علاقة في شؤون الحياة وشؤون الجيل الشاب.
من جهة أخرى، إن البعض يعتقدون أن الموسيقى حرام، وأن الغناء كارثة، وأن الصداقة والاختلاط بين الجنسين مصيبة، ولكن هناك من يعتقد العكس ويرى أن هذه ظواهر طبيعية وصحية لمجتمع اليوم في ظل الحريات التي يمتلكها الشبان والشابات. وبإمكان هذا الجيل من المسلمين أن يقبل على الحداثة بتناقضاتها كلها، وأن يكون مسلماً في الوقت نفسه، فلا تناقض بين الاثنين. فالإسلام يسمح للناس بالتأقلم مع الزمن، وأن يكونوا مع الحياة بتعبيراته كلها من دون أن ينفي عنهم ذلك صفة الإسلام.
إن ما تضعه الفضائيات هو للناس والأفراد، ولدى كل منهم حرية رؤية ما يريد، فمن أعجبه مسلسل تابعه كل يوم، ومن أعجبه برنامج ديني تابعه. هذه قرارات خاصة بالأفراد لا تقنن لا من قبل دولة أو من فتاوى. إن فتوى القتل تمثل عدائية تجاه الآخرين، وأخذاً لمكان الدولة والقانون، وهي فوق كل شيء تزيد في تشويه صورة الإسلام التي شوهتها الكثير من الفتاوى، إضافة إلى أحداث الحادي عشر من سبتمبر.

آخر مقالات الكاتب:

عن الكاتب

د. شفيق ناظم الغبرا

أستاذ العلوم السياسية في جامعة الكويت
twitter: @shafeeqghabra

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *