معلش. أو بالأحرى «معلشّان» اثنان. المعلش الأول هو أنني سأكتب عن مقالتي السابقة «تزويج غير الأصيل». المعلش الثاني هو أنني سأستشهد بمقالة لي قديمة، تحدثت فيها عن تجارة الأوروبيين بالعبيد الأفارقة، وما كتبه البحارة الأوروبيون عن ذلك.
وكان التنافس على أشده بين بريطانيا وهولندا والبرتغال، في القرون الماضية، على جلب الأفارقة صحاح الأجسام، وتسخيرهم للعمل أكثر من 12 ساعة في اليوم، مقابل الأكل والشرب، فقط. وأثناء رحلة جلبهم من بلدانهم، كانت المعارك تنشب في عرض البحر بين «العبيد» أنفسهم لأسباب مضحكة مبكية، أهمها «ادعاء الأفضلية العرقية على الآخرين»، فيصاب بعضهم بجروح خطيرة، يضطر معها البيض إلى ربط المصابين منهم بأثقال ورميهم في البحر، على وقع الضحكات، فلا وقت لعلاج العبيد.
كتب أحد البحارة ما معناه: «أمرهم غريب هؤلاء الأفارقة، نبيعهم ونشتريهم، ويفاخرون بأنسابهم العريقة. والمدهش أننا استطعنا تغيير معتقداتهم الخرافية ودينهم الغريب، لكننا فشلنا في إلغاء عاداتهم الغبية وتفاخرهم بأنسابهم».
العرْق مصيبة، تسهل دغدغته وحكحكته. ولا تقلّ خطورة استغلاله عن الدين. انظروا إلى هتلر و»آريّته» التي استغلها للوصول إلى الحكم، فألقى بألمانيا في جحيم الاحتلال، ودفع الألمان العظماء إلى الاصطفاف في طوابير أمام المحتل الاميركي والبريطاني والسوفياتي للحصول على قطعة خبز، واقرأوا ماذا فعل بهم الجنود السوفيات، من هتك أعراض واستعباد وغير ذلك من مهانة. (مونتجيمري وروزفلت تحدثا عن ذلك).
وأميركا، إلى هذه اللحظة، لايزال بعض محافظيها، من أنصار الحزب الجمهوري، وهُم قلة، يرفضون تجنيس المهاجرين بحجج عديدة، منها وضاعة أعراق المهاجرين واختلاف عاداتهم، بينما يطالب الليبراليون، أنصار الحزب الديمقراطي، بتجنيس من تنطبق عليه الشروط فوراً (لاحظ الاختلاف بيننا وبينهم، إذ يعارض الليبراليون عندنا تجنيس البدون، في حين يطالب به المحافظون).
طيب، أو حسناً حسناً، على رأي العظيم عباس العقاد. كل هذا أفهمه جيداً وأحفظه عن ظهر قرف. إنما الجديد هو أن البعض يرى أن «الدين يجلس في المقصورة الرئيسية، كالسيد المطاع والآمر الناهي، لا شك في ذلك، لكن ما إن تأتي الإمبراطورة، وهي العادات والتقاليد، حتى ينهض الدين مرتعداً لتجلس هي مكانه، فيقف خلفها، ويهف عليها بمهفته إذا شعرت بالحر». وهذا ما قلته لمجموعة من الأصدقاء فخالفوني في الرأي، فكتبت مقالة الثلاثاء الماضي، فهبّت العواصف والأعاصير، وقرأنا معاً التعليقات كلها، وصفقتُ لنفسي ألماً بعدما ثبت صدْق وجهة نظري.
شرعاً، فقط الدين والأخلاق هما الشرطان الرئيسيان للزواج، وأما حكاية «تخيروا لنطفكم فإن العرق دساس»، فهو حديث مكذوب، كعادة العرب في الكذب والتزوير. والرسول، صلى الله عليه وسلم، زوّج بنات أشرف أشراف مكة من الموالي والخدم، زيد بن حارثة، وابنه أسامة، وبلال الحبشي الأسود، وغيرهم. لكن الناس اليوم ليسوا على استعداد للتخلي عن عاداتهم من أجل الدين، سوري. وفي مجتمع كهذا، وعنصرية كهذه، بالتأكيد سيحقق المرشح العنصري أرقاماً أولمبية في الانتخابات، وسيتساقط دعاة الوحدة الوطنية.
وأمس، هاتفتني امرأة طُلّقت بعد زواج استمر شهرين فقط، وأبلغتني أنها الآن تجاوزت الأربعين بسبب نسبها العريق الذي حال دون زواجها مرة أخرى من رجل من «ساير الناس». ثم أضافت ما معناه: «حقي سآخذه من أخي المتدين المتجهم يوم القيامة، فهو يتمتع بزوجتين، ويتركني أتمتع بدموعي. ليتني لم أكن بهذه الأصالة والعراقة».
وحادثني صديق «أصيل» مثقف، بصوت يتلفت هلعاً: «نحن مثلك نؤمن بما تؤمن به في هذا الجانب، لكننا لا نجرؤ على إعلان ذلك. نحن ننتظر من يرفع البيرق ويتلقى الطلقة الأولى كي نواصل مسيرته، وليس أنسب منك لتلقي الطلقات والصدمات! وتغيير العادات يحتاج ما لا يقل عن خمس عشرة سنة من الجهد المتواصل، وها أنت بدأت، أعانك الله وأعاننا».
والأدلة على أن «العادات أهم من الدين» كثيرة تستحق الذكر، لولا أن المقالة طالت وتمددت بحرارة الموضوع. والسؤال هنا: «هل من فرق بيننا وبين العبيد الأفارقة؟ فكروا جيداً… وقبل أن أنسى، أؤكد إيماني بما قلته في مقالتي السابقة. نقطة.