يفتح النقاش معك، فتفتحه معه، والبادئ أظلم: "بأمانة، قل لي ماذا استفدنا من الديمقراطية؟"، وقبل أن ترد عليه يواصل قصفك: "يا أخي، نحن لسنا أهلاً للديمقراطية، نحن شعوب لا تستقيم إلا بالعصا الغليظة. انظر إلى صحافتنا وفضائياتنا، انظر إلى الحرية ماذا فعلت بنا، انظر انظر انظر…".
تجيبهُ: أنا معك، أسأنا استخدام الديمقراطية، لكننا أيضا أسأنا استخدام الكهرباء واسأل سكّان الجهراء، وأسأنا استخدام الإنترنت، وأسأنا استخدام الشعِر الوطني، واقتحم المستشعرون المجال فتدحرج الشعراء الحقيقيون إلى سفح الجبل، وأسأنا للتمثيل والمسلسلات، وغابت موهبة الإبداع، وانتشر المنتجون في سوق الجمعة يبحثون عن الأرخص من الممثلين والمؤلفين والمصورين ومهندسي الديكور والمخرجين، فكانت النتيجة مسلسلات مشوهة، وأسأنا استخدام كلمة "خبير"، فإذا كل من تمتلك محل كوافير إيجاره الشهري 300 دينار "خبيرة تجميل"، وأتذكر أنني في بداية عملي العسكري، تم تعييني في "مكافحة المتفجرات"، فإذا بي أُفاجأ برقم هاتفي متربعاً على مداخل مخافر المنطقة الجنوبية تحت اسم "خبير المتفجرات"، فضحكت حتى جعت عطشاً بعد أن حصلت على لقب "خبير" بالمجان المريح! فخبير المتفجرات الفرنسي – الذي تدربنا على يديه، والذي يتقاضى أجره الباهظ بالساعة، ويعادل ما يقبضه في الساعة سبعة أشهر من راتبي – حصل على لقبه بعد أكثر من ثلاثين سنة، وبعد أن أصبح يعرف أنواع المتفجرات بحاسّة الشم، بينما حصلت أنا على اللقب في غضون سنوات خمس، وبنظام "احفظ وسمّع"، خير البر عاجله، وأنا – إلى يومي هذا – لا أفرق بين الألغام الألمانية والأميركية إلا بعد حكّ الجبهة والقفا. وعندما أخبرت زميلي عن لقبي الذي حصلت عليه، صعقني: "أنت على الأقل، أمضيت خمس سنوات متنقلاً بين المتفجرات والعبوات والألغام، أما أنا فحصلت على اللقب بعد دورة تدريبية مدتها ستة أشهر، هاهاها".
ما علينا، نعود لإساءة الاستخدام… نحن أيضاً أسأنا استخدام النفط، وأسأنا استخدام الكبريت، وأسأنا استخدام السيارت فملأناها بالمتفجرات واقتحمنا بها جثث الأبرياء ودهسنا بها المارة، وأسأنا استخدام الموبايلات، وكاميرات الموبايلات، وأسأنا وأسأنا وأسأنا…
ما رأيك لو استغنينا عن الديمقراطية وعن كل ما أسأنا استخدامه، فنستغني عن الكهرباء والإنترنت والشعر والمسلسلات والممثلين والمنتجين والنفط والصحف والفضائيات والكبريت والسيارات والموبايلات والكاميرات، ونعود كما كنا، سلط ملط؟
يا سيدي، إساءة الاستخدام تتم برعاية حكومية، ولأدلل على كلامي، سأضرب لك الأمثال ضرباً مبرحاً، على رأي الشاعر المبدع الغائب فهد عافت… دعك من الانتخابات والنواب، وتعال معي إلى بحري الذي أعرفه، تعال إلى الصحافة. هنا، في الكويت، عندما يكشف كاتب صحافي ما عن فضيحة في إحدى الوزارات، تنهمر عليه الانتقادات: "تباً لهكذا صحافة تنشر غسيل بلدها"، "هذا الكاتب يقبض من الخارج ليسيء إلى بلده"، وتتزاحم التّهم في شليلك(1)، وتتناهشك الدعاوى القضائية، فتتساءل دهشة: "أليس الأولى أن يُحاسب المسؤول؟ كيف انقلبت الأمور لأُحاسَب أنا؟"، ثم تتذكر أن صحافياً أميركياً اسمه "سيمور هرش" احتاج إلى مدير أعمال يرتب له مواعيد تكريمه ولقاءاته التلفزيونية التي يقبض مقابلها أموالاً طائلة، واحتاج إلى تخصيص إحدى غرف بيته ليكدس فيها الجوائز والشهادات التي حصل عليها، وأصبح يمهر توقيعه على أوتوغرافات المعجبين والمعجبات، وتنافست عليه الصحف. فما الذي فعله هذا "الهرش"؟ الجواب: هو من كشف فضيحة سجن "أبو غريب" في العراق، وهو من صور الأميركان وهم يعذبون العراقيين… فيا عجباً لهؤلاء الأميركان، يكرّمون المصور الهرش الذي "أساء إلى بلده"، ويعاقبون كبار مسؤولي السجن وقيادات الجيش. وهذا هو الفرق بين حكومات "البوس" وحكومات "خد بخد"، والشاعر العراقي يقول: "بوس الشفايف سحر، مو مثل بوس العين"، وأنا أقول: "لثمِ الشفايف خطر، أخطر من النهدين".
(1) الشليل: أسفل الثوب.