عبد القادر أيوب، الفنان الجزائري، رسام الكاريكاتير في هذه الجريدة، وجاري على الصفحة، العمود على العمود، والإحباط على الإحباط، والتدخين على التدخين. لا يبرح محله. يرسم يومياً، وأنا أذهب وأجيء. قد أغيب يوماً أو أكثر. وكلما سألت رسوماته عن الحال في غيابي، وهل تغير شيئاً في وضع البلد، أجابتني بدمعتين.
هو لا يفهم لهجتي إلا بعد جهد، وأنا لا أفهمه إلا بعد جهاد. أحياناً نلتقي في منطقة وسط، في منطقة اللهجة المصرية، وأحياناً نلتقي في الفصحى… هو كان يرسم في صحيفة جزائرية أثناء القلاقل والمشاكل والغبار ونحر الأطفال والكبار "تحت يافطة الإسلام والتوحيد". كاد يقتله أصوليو قومه أثناء نوبة جنونهم بحجة أنه يتبع "النظام الكافر"، وكادت تعتقله الأجهزة الأمنية ظنّاً منها أنه أصولي حلق ذقنه كي يتخلص من أدوات الجريمة. وهو لا هذا ولا ذاك. هو فنان بوهيمي، نقي شقي. الدنيا في عينه قشرة بصلة، وقيل بل قشرة بطاطة، واختلف العلماء والسفاحون ومباحث الشرطة.
"اضحك عليها بتعمر"، قال لي معلقاً على مقالتي الساخرة رغم دموع الوضع… قلت: كيفاش ندير يا عبد القادر إذا كان كل شيء في هذا البلد مختطفاً، بدءاً من البحر والشاطئ والهواء وانتهاء بكلمات الأغاني الوطنية التي تحولت إلى صفيحية. يا زميلي برلماننا ليس برلماننا، وحكومتنا علّمتنا "الزنباع وين ينباع" كما في أمثلتكم. كيفاش ندير ومداخيل النفط أصبحت كالحمامة تدخل في كمّ الساحر الأيمن وتخرج من الأيسر على شكل دخان يتلاشى في ثوانٍ. كيفاش ندير في إعلاميين بعضهم لا يساوي في سوق الصرف "دمنة تيس"، يقلبون الحقائق بحثاً عن الحقائب.
يا صديقي صدقني، ما يفعله قراصنة الصومال مجرد لعب عيال، هنا دوري المحترفين ولا فخر. في الصومال يسرقون حمولة سفينة تاهت عن القطيع. هنا يسرقون الفرح والابتسامة، وأنا أخفي ابتسامتي في دلاغي (شرّابي) كي لا يعثروا عليها. في الصومال يا عبد القادر، القراصنة ترثي لحالهم الدموع، ويطيّب خواطرهم الجوع، ويمسح على رؤوسهم التشرد من كل نوع، تشرد الأسرة، تشرد الأمل، الوطن، الاستقرار. هنا القراصنة يدخنون السيجار في أجنحتهم في الأدوار الشاهقة.
هل تشاهد هذه المرأة الطاعنة في البكاء والانطواء والتجاعيد؟ هذه امرأة ثرية عقّها كبارُ أبنائها، وصرفوا أموالها على الكلاب النبّاحة، ورفعوا الكلفة بينها وبين الحزن والوجوم. هي حزينة يا عبد القادر. الكويت حزينة إلى درجة الصمت. ضعيفة إلى درجة الشفقة.
كيفاش ندير يا عبد القادر في حكومة تعشق غبار الأمكنة المهجورة؟ هل نكنس بلدنا أم ماذا؟ كيفاش ندير ونحن نثق أننا لم نتباغض كما نتباغض اليوم، وأن حرباً أهلية –لا قدر الله- قادمة في الطريق، مسافة السكة.
معذرة عبد القادر، أعلم أنني نفخت في وجهك كل أنفاس سيجارتي الحارقة، وأطلقت زفراتي كلها مرة واحدة. لكن بالله عليك قل لي كيف كانت حياتكم عندما ارتفع صوت السكاكين والفؤوس والنحيب في بلدكم؟ هل سامحتكم الجزائر اليوم؟ قل لي فأنتم السابقون ونحن اللاحقون.
كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء
يمكنك متابعة الكاتب عبر الـ RSS عن طريق الرابط على الجانب الايمن أعلى المقالات السابقة