محمد الوشيحي

قبل أن تتوحد 
البيوت

ضربٌ من الجنون، وقتلٌ من الهبل، أن تصرخ في الناس: «الحنفية خربانة»، بينما البيت كله يحترق، والنيران تلتهمه التهام الصائم لإفطاره. والأكثر جنوناً وهبلاً أن تحاول زراعة الأمل في قلوب أهل البيت الذي يحترق أمام أعينهم، فتمتدح أثاث الصالة: «كان ذوقكم في اختيار الألوان رفيعاً».

هذا هو حالنا مع ما يحصل في الكويت. هذا هو السبب الذي حادَ بنا عن الحديث عن فساد وزارة الإعلام مثلاً، والتلاعب في مصروفات وفد معرض إكسبو 2008 الذي تم في إسبانيا، أو الحديث عن إمكانية إلغاء معرض الكتاب في الكويت هذا العام، ولأول مرة في التاريخ، حسب ظني، بحجة نقص الميزانية.

أفتحُ غطاء القلم وأكتب: «التلاعب في وزارة الإعلام يقلب المعدة رأساً على عقب»، فأخجل وأضع القلم وأتمتم «يا إلهي يا رب»، على رأي المعلق الرياضي التونسي، لماذا أختص وزارة الإعلام وحدها، «والدنيا ولعانة برّا»، كما تقول نجوى كرم؟ الشعب سيأكل بعضه بعضاً، والجاهل الصغير يشعل الحرائق في خيام القبائل، فيُكافأ باستقبال الوزير المختص بالقبض عليه، فتغلي الصدور، ويتجمّع أبناء القبائل حول الركام بحثا عن عصا أو حديدة تعبّر عما في صدورهم.

وكنا قبل معرفتنا باستقبال الجاهل والترحيب به نتشبّث بالأمل، نمسك ركبتيه ونقبّل قدميه ونستجديه ألا يرحل، فيرفع أصبع التحذير: «آخر مرّة»، ثم يغمغم: «اللهم طوّلك يا روح». وتكررت بلاوينا، وتكرر تقبيلنا قدميه، وتكرر تحذيره إيانا، لكن – بعد أن استقبل الوزير صاحبه الجاهل الصغير – شوّح الأمل بيده وحملَ مزودته على ظهره وراح.

غريبة هذه الإدارة الحكومية، أقصى ما استطاعت فعله لمكافحة الحريق هو أن أشعلت حرائق عدة في أماكن مختلفة، فأوعزت، مثلاً، إلى إحدى الصحف بنشر صور رواد المقاهي كي يلتفت الناس إلى الاتجاه ذاك ويتناسوا الحريق الأكبر. استغلال فج لسذاجتنا. ونجحت في مسعاها، وتعالت أصوات بعض الدراويش بمصطلحاتهم المستهلكة: «مَن يذود عن شرف الأمة، ويذبّ عن حياضها؟ ويحٌ لأعداء الدين، مرحى يا بني خزاعة». نجحت الحكومة، لكن نجاحها مؤقت، سرعان ما تبخر وتفرق المتجمهرون من حوله وعادوا يتساءلون: «ما الذي فعلته الحكومة لتوقف الجاهل عند حدّه؟». والجواب: «وزير الداخلية استقبله في مكتبه، ووزير الإعلام لم يفعّل المادة التي تمنع الحض على ازدراء وكراهية إحدى فئات المجتمع»… شكراً إدارتنا الحكومية، ألف شكر، وأرجو أن تستعدّي لما هو أسوأ، فاللعبة لمّا تنتهِ بعد، وعلى مَن أشعل الكبريت ألا يستغرب غضبَ الحريق.

يبدو أن الإدارة الحكومة الرخوة لا تريد الاستقالة رغم فشلها المستمر إلى أن تشاهد الرماد بعينيها. ففي عهدها سمعنا عن «توحيد البيت الشيعي» وغداً سنسمع عن «توحيد البيت القبَلي» وبعد غد «توحيد البيت الحضري»، وبعدها بأسبوع ستُرفع البيارق الحمراء، وسترتفع أصوات سيارات الإسعاف والإطفاء. 

آخر مقالات الكاتب:

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *