قَسماً عسماً – على رأي سائق تاكسي في مصر يريد أن يقنع الناس أنه صايع وأنه هو الذي قطّع السمكة وذيلها، بينما هو أغبى من وحيد القرن وأغلب من عمال المناجم الأفارقة – أن خللاً هائلاً قد تسلل إلى أدمغتنا وعبث بمحتوياتها، وقلبَ عاليها واطيها، وسرق كنوزها، ثم خرج وترك بابها مفتوحاً تعزف عليه الرياح ألحان صفيرها. وإلا فما معنى أن يصاب إنسان بارتفاع درجة الحرارة، فيذهب إلى المستشفى، فيطلب الطبيب منه التوجه إلى غرفة العزل لحين ظهور نتائج فحصه، فتهرب من أمامه الممرضات، وكأنهن «حمرٌ مستنفرة فرّت من قسورة»! فيَرى المراجعون المشهد فيلوذون بالفرار ويتفرقون كأنهم شظايا زجاجة سقطت من على الرف العالي، ويبدأون قصفه بنظرات حارقة مغلفة بالقرف، فيشعر المريض، الذي لم يُعرف مرضه بعد، بحرج وخجل لم يشعر بهما لص قبضوا عليه متلبساً بالسرقة في عز الزحمة.
هذه النظرات الحارقة، رغم سخافتها، قد تكون السبب في عزوف الناس عن التوجه إلى المستشفيات إذا شعروا بارتفاع درجات الحرارة، وبالتالي سيؤدي هذا إلى كارثة صحية في البلد. ولا تتهموني بالمبالغة، وتذكروا أن سبب خروج أبيكم آدم من الجنة كان تفاحة، رغم أنه كان في الجنة التي تجري من تحتها الأنهار، والتي فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطرَ على قلب بشر، لكنه غوى فهبط وهبطنا بعده إلى الأرض لنجد أمامنا النائب الكويتي عبدالسلام النابلسي والممثل محمد العجيمي والثعابين والعقارب وبقية مخلوقات الله الضارة، كل هذا بسبب تفاحة، وكيلو التفاح اليوم بأربعمئة فلس، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
وأجزم أن الأوروبيين في أوروبّاهم، لو دخل عليهم خنزير – بجلالة قدره ونتانة رائحته – المستشفى وهو يضع على أنفه منديلاً ويسعل ويعطس، لما غيّروا أماكن جلوسهم، ولتوجّه هو مباشرة إلى ماكينة الأرقام وسحب رقمه وجلس على كرسيه يقرأ كتاباً، مثلهم، في انتظار دورِه.
صحيح أن من حق الأوروبيين أن يضعوا رجلاً على رجل بحضور الخنزير، لكفاءة أطبائهم، وتوافر أجود أنواع الأدوية والمعدات وكل التجهيزات اللازمة، وصحيح أنهم لن يرضوا بمعالجة كلابهم في مستشفياتنا، لكننا بهذه الطريقة في تعامل بعضنا مع بعض سنزيد السوء سوءاً، وسننشر الوباء بيننا بسرعة أكبر ليفتك بنا قبل أن تُنهي مصانع الأدوية إنتاج حصتنا من اللقاح المضاد… فارحمونا، أو ارحموا أنفسكم، يرحمكم الله.
وطبعاً، أنتم تابعتم الخبر الذي يقول إن «الاتحاد الأوروبي يبحث عن مساحات فاضية في أوروبا لتحويلها إلى مقابر جماعية، إذ من المتوقع أن يكشر وباء الخنازير عن أنيابه في الشتاء المقبل»، كل هذا يتم عندهم بهدوء تام، ومن دون ولولة ولا عويل.
***
باشر المحامي الرائع الأستاذ حسين العبدالله أمس توجيه رسائل إنذار إلى شركة الاتصال المسؤولة عن إزعاج الناس، وما لم تتوقف هذه الشركات عن غيّها فسيكون «البيع أغلى من سعر السوق»، كما نقول في أمثالنا، خصوصاً أن العديد من الرسائل وصلتني تعلن رغبتَها في توكيل الزميل لرفع دعاوى مماثلة. وقد أعذر من أنذر.