محمد الوشيحي

قبل وقوع الكارثة … هدِّدوهما

والله لا أعلم من أين أبدأ الموضوع، فالأوراق المتناثرة على سطح ذاكرتي أكبر وأكثر من أن تحصرها مقالة… شوف يا صاحبي:

أثناء الحرب العراقية- الإيرانية غرقت باخرتان محملتان بالمواد الكيمياوية الخطرة – أكرر «محملتان بالمواد الكيمياوية الخطرة»، والمواد الكيمياوية الخطرة تختلف عن الفستق- في قاع الخليج العربي من ناحية الشمال بالقرب من جزيرة بوبيان. والمواد الكيمياوية الخطرة محفوظة في حاويات مُحكمة الإغلاق بطريقة لا تسمح بتسربها، لكن إلى فترة محدودة… تمام؟ تمام.

انتهت الحرب تلك، ثم احتل صدام الكويت، ثم تحررت الكويت في عام 91، أي قبل 18 سنة. ومنذ التحرير وأنصار البيئة في مشارق الأرض ومغاربها يصرخون بالصوت الحياني: «تخلصوا من باخرتي المواد الكيمياوية الخطرة يا كويتيين قبل أن تحل عليكم الكارثة» ولا مجيب. ومضت السنون تجري بسرعتها الأولمبية إلى أن بعثت إحدى الجهات الأميركية قبل سنوات بكتاب تحذيري إلى الكويت: «أجزاء حاويات الباخرة على وشك التآكل، ومن المرجح أن تتسرب المواد الكيمياوية الخطرة في عام 2010، وحينئذ ستموت الحياة البحرية كلها في الخليج العربي مدة ستين سنة على الأقل، وستحل الكارثة على الناس، فاحذروا»، فانتفضت حكومتنا وقررت حل المشكلة والتخلص من الباخرتين، وتدارست الموضوع بجدية، لكن بعض وكلاء الشركات الأميركية من التجار الكويتيين اختلفوا على المناقصة، واستخدم كلّ منهم نفوذه، ومن باب العدل أوقفت الحكومة المشروع، وأغلق النائب الأول لرئيس الحكومة رئيس المجلس الأعلى للبيئة الشيخ جابر المبارك الباب! والشيخ جابر المبارك، حفظه الله، رجل ديناميكي حيوي، والمشكلة التي يتطلب حلها خمسة أيام سيحاول حلها خلال أربع وثلاثين سنة مما تعدون، والعجلة من الندامة وأمر الله من سعة.

والعام الماضي، جاءت شركة أميركية متخصصة، وأبلغت حكومتنا أن الكارثة اقتربت مكشرة عن أنيابها، وأنه ليس أمامكم يا كويتيين سوى سنتين على الأكثر، و«الربع مصهينين وداقين الثقل والغنج»، تماما كما تفعل الشابة ذات الجمال الخيالي عندما يكثر عدد خطاطيبها، أو خُطّابها.

الحكومة، من سنة جدي، كانت قد أعلنت أن جزيرة بوبيان ستتحول إلى منطقة تجارية جاذبة للسياح والعوائل، ولأن الدنيا لا أمان لها، ولأن حكومتنا تتعامل مع قضايانا كما يتعامل الساحر مع جمهوره «قرّب قرّب بص بص تدخل حمامة من هنا تخرج كورة من هناك»، ستتحول بوبيان من منطقة جذب للسياح من هنا إلى منطقة هلاك و«برمودا» كويتية من هناك.

وهل تتذكر يا صاحبي العاصفة الغبارية التي خنقتنا وأعمت أعيننا قبل أيام؟ كان بإمكان الحكومة تخفيفها بنسبة 40 في المئة لو أنها نفذت دراسات الجدوى المكدسة على مكاتبها والتي تنصح بزراعة «بقعتين غباريتين» تقعان في الشمال الغربي للبلاد! وحكومة بهذه الرخاوة والمياعة تعجز عن زراعة بقعتين صغيرتين، كيف ستتصدى لأمر مثل إخلاء باخرتي المواد الكيمياوية الخطرة في قاع الخليج؟

نوابنا الكرام، يا معودين تصرفوا، هددوا سمو رئيس الحكومة أو نائبه الأول بالاستجواب وخلصونا قبل انفجار الكارثة، فالحكومة هذه لا تذعن إلا للتهديد. ومن أراد منكم الحصول على الوثائق فليهاتفني. ونحن نعلم بأن الأمر هذا، أقصد أمر الباخرتين، غير مهم للغوغائيين من الناس، لأنه لا يتحدث عن كربلاء و لا عن يزيد بن معاوية، ولذلك فلن نسمع صوت صاحب أكبر عدد من التصريحات الوطنية سعادة وكيل المراجع محمد باقر المهري، ولن نقرأ كتابات أنصار الولي الفقيه في الكويت لانشغالهم بعيد الثورة الخمينية، ولن يرتفع السجال بين النواب الوطنيين صالح عاشور ومحمد هايف ووليد الطبطبائي… ويبقى السؤال الأهم: ماذا حدث في معركة الجمل قبل نحو ألف وأربعمئة عام؟ وما دخل الفروانية والدسمة في الموضوع؟

آخر مقالات الكاتب:

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *