محمد الوشيحي

. وجه من الحفل

آه لو يعود الزمن القهقرى. شوية قهقرى يعني مش أكثر. أي إلى وقت طفولتي. لكنت حرصت على تعلّم الإنكليزية والفرنسية بدلاً من اللف والدوران ما بين أساطير الزير سالم وعنترة العبسي وأبوزيد الهلالي. وإذا كان لدي من اللغة الإنكليزية ما يسد رمقي بخبزة حافة جافة، يأنف من التهامها اليتيم الفقير، ففرنسيتي "لا غيمة فيها ولا بارق ولا رعّاد".

ولو كنت أعرف الفرنسية لالتهمت صحافتها هناك وتلذذت بحرية كتّابها ومحرريها، ولتفسحت بين سطور أدبائها وخبرائها وهم يصلبون المسؤولين صلباً ويقصلونهم قصلاً (بالإذن من اللغة العربية)، ويقلّبونهم على جمر الغضا، فأستعيض بها عن صحافتنا العربية المنافقة الغبية.

والله الله لو "مشت معاي" وأصبحتُ كاتباً فرنسياً، وأصبح الشيخ أحمد العبدالله وزيراً للنفط والإعلام الفرنسي، على افتراض أن الفرنسيين أغبياء همج بَجَم، يقبلون وجود وزارة إعلام، ويستمتعون بمشاهدة "استقبل وودّع وكان في معيّة معاليه".

تخيلت ذلك، وتخيلت ماذا كنت سأكتب عن طريقة معاليه في إدارة الوزارات التي يتسلمها، والتي لم أرَ فيها أو أسمع عن إنجاز واحد نفاخر به وتغيظ به بناتنا قريناتهن الفرنسيات. فكل ما يفعله معاليه هو إطفاء الأنوار، ودعاء النوم، وقراءة المعوذتين، هصصصصص! وتخيلت ماذا كنت سأكتب عن النائب البطل علي الدقباسي الذي يعادل في سوق الصرف السياسي مئة وسبعة وثمانين وزيراً من أحمد العبدالله، ورغم ذا يتعالى النباح حول الدقباسي، وتتعالى الزغاريد حول العبدالله، الذي يُكتب تحت اسمه في الصورة الجماعية للحكومة "وجه من الحفل"، وتنسى أنه وزير، وإذا به بعد عامين أو أكثر "يفجؤك"، كما يقول طه حسين، بتصريح في حفل لإحدى السفارات الأجنبية عن علاقة الكويت المتينة بتلك الدولة، فتتساءل: "مَن هذا؟".

ولو أننا نتعامل مع الاستجوابات كما تتعامل فرق كرة القدم في مباريات النهائي، فنحضر "حكّاماً" أجانب يديرون مباراة الاستجواب، بعدما فقدنا الحيادية في برلماننا. تُرى كم ستكون النتيجة؟ وماذا سيكتب مراقب المباراة عن النائب والوزير والحكومة، وعن النواب الذين يعيشون في المناطق الرطبة المظلمة، ويقتاتون على استجوابات ضعاف الوزراء؟

على أنني لو كنت مكان النائب الدقباسي لاكتفيت بمحور واحد أسأل فيه معاليه أسئلة شاطئية لا تتطلب إتقان الغوص والخبرة البحرية: كم قطاعاً في كل وزارة؟ وكم وكيلاً مساعداً؟ وما هي طبيعة أعمالهم؟ وكم مادة في قانون المطبوعات الذي لم تطبقه وتسبب في كارثة كادت تقود إلى فتنة؟ وبس. ثم أجلس وأتركه يغرد بإجاباته، ويرسم البسمة الداكنة على وجوه الناس وهم يرون مستقبلهم في أيدي وزراء بهذه "العَظَمة". وإذا جاء دوري للتعقيب، فسأكرر ما قاله الفنان المصري محمد نجم وهو يقلد اللهجة الخليجية: "حياك الله بالخير"، ثم أتوكل على الله فأنوح وألطم.

وقد بلغني أمس، أن معاليه للتو أدرك أنها خطة حكومية مرسومة لقمع الحريات، وللتو انتبه أنه من سيدفع الفاتورة وهو لم يشترِ شيئاً، فغضب! وسّع صدرك طال عمرك وانزل إلى الميدان، فلم يعد يهم الناس غضبك ولا رضاك.

 

 

كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء

يمكنك متابعة الكاتب عبر الـ RSS عن طريق الرابط على الجانب الايمن أعلى المقالات السابقة

سامي النصف

رواسب الاشتراكية

يختلف ليبراليو اليسار «الأمس» عن ليبراليي اليمين «اليوم» في الكويت والمنطقة العربية في تقييمهم لحقبة الرئيس عبدالناصر ومثيلاتها، فبينما يقدسها الاولون كونها مثلت لهم عصر التحرر والانحسار الديني والتحول الاقتصادي للاشتراكية والقطاع العام، يعتبرها اللاحقون حقبة الشيطان كونها مهدت كما يرون لقمع الحريات وفتح السجون والتحالف مع الانظمة القمعية الشيوعية وروجت للعداء للغرب الاب الروحي لليبرالية والعلمانية العربية.

وعندما لم تجد الثوريات العربية الا الخراب الاقتصادي والانتكاسات العسكرية كأبرز منجزاتها، بدأت بتزييف الحقائق في افلامها وصحفها وكتبها واغانيها بقصد اتهام اعدائها من رجال «الاقتصاد الحر» بتلك النكبات عبر اطلاق المسميات القميئة عليهم، وقد انتقل ذلك الداء من تلك البلدان الى بلدنا حيث ندر ان تجد مسرحية او مسلسلا الا ويقدم فيه رجل الاعمال بشكل سيئ.

ولا يمكن ان نتجه للخصخصة او التحول للمركز المالي والتخلي التدريجي عن النفط مادام رجل الاعمال يفرش له السجاد الاحمر في الدول الاخرى بينما تنثر الاشواك في طريقه ببلدنا، وقد استمعت قبل ايام من احد الفعاليات الاقتصادية لشكوى مريرة من طريقة تعامل قلة من النواب والكتاب مع غرفة التجارة، حيث يذكر ان جميع الغرف التجارية في العالم لها خصوصيتها وتدفع لها الرسوم مقابل خدماتها وتمثيلها للقطاع الخاص في القضايا المختلفة وكي تحافظ على استقلاليتها.

ومما قاله ان الغرفة لا تفرض الانتساب لها على التجار والحرفيين بدلالة وجود 130 ألف سجل تجاري في قيود وزارة التجارة بينهم فقط 30 ألف منتسب للغرفة اي ان هناك مائة ألف يمارسون التجارة دون انتساب لها، واعاد محدثي للاذهان حفظ الغرفة عبر مكاتبها ومعارضها في ابوظبي ودبي ابان الغزو بضائع لموردين صغار وكبار جاوزت 130 مليون دينار، ودور احد رجالها وهو المرحوم يوسف الفليج في نقل سجلات جميع التجار من وزارة التجارة الى الغرفة حيث تم الحفاظ عليها من الضياع ابان الغزو.

انتشر على اليوتيوب هذه الايام صور لسيارات جديدة يتم «تزيينها» عند احد المحلات وشباب يقول ان وكالة السيارات تغش زبائنها بهذا العمل، وقد اخبرني احد المطلعين بأن وكالة السيارات تبيع في بعض الاحيان سيارات لشركات محلية تقوم اما باعادة تصديرها او حتى استخدامها بعقود لآخرين، ولا يمكن للوكالة حسب قوله ان تمنع من اشترى السيارات منها من القيام بأي تعديل او تغيير في سيارته، مضيفا ان امرا كهذا يستحيل ان تقوم به الوكالة لاسباب ثلاثة، اولها علمها ان الوكالة الام لا تقبل بمثل هذا التصرف، والثاني ان ذلك التغيير يسقط كفالة الشركة الام عن جميع السيارات المستوردة للوكالة، والسبب الأخير ان تلك الاعمال التي يحذر منها الوكلاء عادة لو ارادوا هم القيام بها ـ وهو امر مستحيل حسب قوله ـ لأدخلوها كراجاتهم الواسعة، لا وضعها امام الملأ في محل يقع على الشارع العام.

آخر محطة:
 
1 – لو كان الامر بيدي لأقمت تمثالا في الصفاة لكل رجل اعمال سواء كان صاحب بقالة صغيرة او وكالة كبيرة، كونهم استقلوا بأنفسهم ووفروا لنا الحاجيات التي نلقاها بالاسواق ولم نعد نحتاج للذهاب خفافا والعودة ثقالا من السفر.

2 – صرخة من شخص مهتم: أنقذوا اسواق الاحمدي التراثية من الهدم!

احمد الصراف

«دي دي وا»..وأحمد البغدادي!

انتشرت على الانترنت مقالة للروائية الجزائرية احلام مستغانمي عما واجهته في اليوم الذي وصلت فيه بيروت في بداية التسعينات، وهي الفترة التي اشتهرت فيها اغنية «دي دي وا» للشاب خالد، والتي رفعته الى النجومية العالمية وقذفت به للمجد، وكيف انها كانت قادمة لتوها من باريس، وفي حوزتها مخطوط «الجسد» المكون من أربعمائة صفحة، والذي قضت اربع سنوات في نحت جمله، محاولة ما استطاعت تضمينه نصف قرن من التاريخ النضالي للجزائر، انقاذا لماضي وطنها، ورغبة في تعريف العالم العربي بأمجاده واوجاعه! ولكنها لاحظت انها كلما أعلنت هويتها كانت تجامل بالقول: «آه، انت من بلاد الشاب خالد!»، وكيف انها لم تجد جوابا في هذا الرجل الذي يضع قرطا في اذنه، ويظهر في التلفزيون الفرنسي برفقة كلبه، سوى الضحك الغبي، وانها عندما تبدي عدم فهمها لـ«دي دي وا» لا تجد غير التحسر على قدر الجزائريين، الذين بسبب الاستعمار، لا يفهمون اللغة العربية! وقالت انها تأسفت كثيرا لكل الاهتمام والملاحقة اللذين يلقاهما المشاركون في برامج ستار اكاديمي مثلا، وكيف ان سجينا في معتقل اسرائيلي يطلق سراحه بعد ربع قرن لا يجد من يستقبله على حدود وطنه!
وفي السياق نفسه، احتج اصحاب الكثير من الرسائل الالكترونية على عدم اهتمام الصحافة باخبار صحة الزميل والاكاديمي المعروف احمد البغدادي، وتحسروا لتجاهل وسائل الاعلام لاخبار مرضه، وانه لو كان مطربا من الدرجة الثالثة لأفسحت العديد من الصفحات عن تقدم علاجه واوضاع نومه وقيامه وما يأكل ويشرب!
والحقيقة ان عدم الاهتمام باخبار الروائيين والاكاديميين والمفكرين والكتّاب والفلاسفة، وحتى العلماء والمكتشفين والمنقبين والقادة العسكريين من قبل وسائل الاعلام، مقارنة بكل الشوق والاهتمام باخبار الفنانين والمطربين والممثلين والراقصين والمسرحيين، امر طبيعي جدا، فهذه طبيعة البشر.
وهناك مثل عراقي يقول: «قالوا له: عندك تأكل؟ قال: لا، قالوا له: عندك تغرم؟ قال» نعم»، اي ان الواحد منا يصرف الكثير على الطرب والمتعة، ولكنه لا يصرف بالقدر نفسه على الامور الضرورية من مأكل وملبس، دع عنك الامور الجادة من فكر وأدب!
ونجد انعكاس ذلك، كمثال فقط، ان ما يكسبه مطرب امي ومكوجي سابق في عام واحد يزيد عما حققه نجيب محفوظ من بيع جميع مؤلفاته طوال نصف قرن! ولكن يجب ان نعرف كذلك ان هذا الولع بالفن والفنانين ومشاهير السينما والتلفزيون وحتى المسرح، ظاهرة تشمل العالم اجمع، ولها اسبابها، فما تكسبه عارضة ازياء في الغرب يزيد عشر مرات على ما يكسبه عالم فيزيائي يحمل جائزة نوبل، ولكن الفرق بيننا وبينهم ان رواية ما في الغرب قد تحول كاتبها لمليونير، كما في شفرة دافنشي التي بيع منها 80 مليون نسخة او 200 مليون نسخة من «هاري بوتر»، في الوقت الذي لم تبع فيه رواية كــ«عزازيل» ليوسف زيدان، وهي في طبعتها الرابعة، اكثر من خمسين الف نسخة. ولكن لو قام المؤلف نفسه بالسير عاريا في شارع مزدحم في القاهرة لزادت مبيعات كتبه حتما!

أحمد الصراف