محمد الوشيحي

الدين يسحب لها الكرسي


معلش. أو بالأحرى «معلشّان» اثنان. المعلش الأول هو أنني سأكتب عن مقالتي السابقة «تزويج غير الأصيل». المعلش الثاني هو أنني سأستشهد بمقالة لي قديمة، تحدثت فيها عن تجارة الأوروبيين بالعبيد الأفارقة، وما كتبه البحارة الأوروبيون عن ذلك.

وكان التنافس على أشده بين بريطانيا وهولندا والبرتغال، في القرون الماضية، على جلب الأفارقة صحاح الأجسام، وتسخيرهم للعمل أكثر من 12 ساعة في اليوم، مقابل الأكل والشرب، فقط. وأثناء رحلة جلبهم من بلدانهم، كانت المعارك تنشب في عرض البحر بين «العبيد» أنفسهم لأسباب مضحكة مبكية، أهمها «ادعاء الأفضلية العرقية على الآخرين»، فيصاب بعضهم بجروح خطيرة، يضطر معها البيض إلى ربط المصابين منهم بأثقال ورميهم في البحر، على وقع الضحكات، فلا وقت لعلاج العبيد.

كتب أحد البحارة ما معناه: «أمرهم غريب هؤلاء الأفارقة، نبيعهم ونشتريهم، ويفاخرون بأنسابهم العريقة. والمدهش أننا استطعنا تغيير معتقداتهم الخرافية ودينهم الغريب، لكننا فشلنا في إلغاء عاداتهم الغبية وتفاخرهم بأنسابهم».

العرْق مصيبة، تسهل دغدغته وحكحكته. ولا تقلّ خطورة استغلاله عن الدين. انظروا إلى هتلر و»آريّته» التي استغلها للوصول إلى الحكم، فألقى بألمانيا في جحيم الاحتلال، ودفع الألمان العظماء إلى الاصطفاف في طوابير أمام المحتل الاميركي والبريطاني والسوفياتي للحصول على قطعة خبز، واقرأوا ماذا فعل بهم الجنود السوفيات، من هتك أعراض واستعباد وغير ذلك من مهانة. (مونتجيمري وروزفلت تحدثا عن ذلك).

وأميركا، إلى هذه اللحظة، لايزال بعض محافظيها، من أنصار الحزب الجمهوري، وهُم قلة، يرفضون تجنيس المهاجرين بحجج عديدة، منها وضاعة أعراق المهاجرين واختلاف عاداتهم، بينما يطالب الليبراليون، أنصار الحزب الديمقراطي، بتجنيس من تنطبق عليه الشروط فوراً (لاحظ الاختلاف بيننا وبينهم، إذ يعارض الليبراليون عندنا تجنيس البدون، في حين يطالب به المحافظون).

طيب، أو حسناً حسناً، على رأي العظيم عباس العقاد. كل هذا أفهمه جيداً وأحفظه عن ظهر قرف. إنما الجديد هو أن البعض يرى أن «الدين يجلس في المقصورة الرئيسية، كالسيد المطاع والآمر الناهي، لا شك في ذلك، لكن ما إن تأتي الإمبراطورة، وهي العادات والتقاليد، حتى ينهض الدين مرتعداً لتجلس هي مكانه، فيقف خلفها، ويهف عليها بمهفته إذا شعرت بالحر». وهذا ما قلته لمجموعة من الأصدقاء فخالفوني في الرأي، فكتبت مقالة الثلاثاء الماضي، فهبّت العواصف والأعاصير، وقرأنا معاً التعليقات كلها، وصفقتُ لنفسي ألماً بعدما ثبت صدْق وجهة نظري.

شرعاً، فقط الدين والأخلاق هما الشرطان الرئيسيان للزواج، وأما حكاية «تخيروا لنطفكم فإن العرق دساس»، فهو حديث مكذوب، كعادة العرب في الكذب والتزوير. والرسول، صلى الله عليه وسلم، زوّج بنات أشرف أشراف مكة من الموالي والخدم، زيد بن حارثة، وابنه أسامة، وبلال الحبشي الأسود، وغيرهم. لكن الناس اليوم ليسوا على استعداد للتخلي عن عاداتهم من أجل الدين، سوري. وفي مجتمع كهذا، وعنصرية كهذه، بالتأكيد سيحقق المرشح العنصري أرقاماً أولمبية في الانتخابات، وسيتساقط دعاة الوحدة الوطنية.

وأمس، هاتفتني امرأة طُلّقت بعد زواج استمر شهرين فقط، وأبلغتني أنها الآن تجاوزت الأربعين بسبب نسبها العريق الذي حال دون زواجها مرة أخرى من رجل من «ساير الناس». ثم أضافت ما معناه: «حقي سآخذه من أخي المتدين المتجهم يوم القيامة، فهو يتمتع بزوجتين، ويتركني أتمتع بدموعي. ليتني لم أكن بهذه الأصالة والعراقة».

وحادثني صديق «أصيل» مثقف، بصوت يتلفت هلعاً: «نحن مثلك نؤمن بما تؤمن به في هذا الجانب، لكننا لا نجرؤ على إعلان ذلك. نحن ننتظر من يرفع البيرق ويتلقى الطلقة الأولى كي نواصل مسيرته، وليس أنسب منك لتلقي الطلقات والصدمات! وتغيير العادات يحتاج ما لا يقل عن خمس عشرة سنة من الجهد المتواصل، وها أنت بدأت، أعانك الله وأعاننا».

والأدلة على أن «العادات أهم من الدين» كثيرة تستحق الذكر، لولا أن المقالة طالت وتمددت بحرارة الموضوع. والسؤال هنا: «هل من فرق بيننا وبين العبيد الأفارقة؟ فكروا جيداً… وقبل أن أنسى، أؤكد إيماني بما قلته في مقالتي السابقة. نقطة. 

احمد الصراف

… نتمنى لكم نوما سعيدا!

تنبأت أكثر التقارير تفاؤلا أن الكويت ستواجه عجزا في موازنتها العامة خلال سنوات قليلة جدا. والأسلوب المعيشي الريعي المتبع الآن في إدارة الدولة كارثي بمعنى الكلمة، فالكويت تعتبر من أعلى دول العالم استهلاكا للكهرباء، على الطل. والسبب الرئيسي في هذا الهدر الرهيب لهذه الطاقة الجميلة والمكلفة يكمن في أسلوب الحياة اللامبالي المتبع في غالبية البيوت، وعجز الدولة عن تحصيل ثمن استهلاك الأهالي للكهرباء والماء، بالرغم من تفاهة تكلفتها المدعومة من الدولة.
وقد جاء التحذير الأخير للبنك الدولي للحكومة بالامتناع عن زيادة الرواتب في وقته، فهذا البند يلتهم غالبية موارد الدولة من دون مردود حقيقي، فهناك بطالة مقنعة تصل الى أربعة أضعاف ما هو مطلوب أداؤه، كما أن إنتاجية الغالبية تصل الى مستويات مخيفة في تدنيها.
كما أثبت جميع المراقبين أن النظام التعليمي فاشل، بالرغم من الانفاق الكبير عليه، وأنه لا يستجيب لمتطلبات سوق العمل، ولا يزال الطلبة الكويتيون يحتلون المراكز الدنيا في الامتحانات الدولية. كما أن مقارنة نتائج عام 1995 بعام 2007 بينت عدم حصول أي تحسن على مستوى المخرجات بين سنتي المقارنة، وفوق هذا وذلك تعتبر معدلات القبول في جامعة الكويت الأدنى في العالم أجمع، ولا تنافسها في التدني غير الجامعات العربية الدينية التي لا تتطلب غالبيتها غير طلب للالتحاق بها.
وبالرغم من أن في الكويت أعلى نسبة من حملة شهادة الدكتوراه فان غالبيتها غير معترف بها، لكي لا نذكر وصفا أكثر دقة!
ولو قمنا بمقارنة اقتصاد الكويت بشقيقاتها الخليجيات لوجدنا أن الكويت، وإلى حد ما قطر، الأكثر اعتمادا في مواردها على النفط فقط. وبالرغم من أن الكويت تتميز عن شقيقاتها بما تمتلكه من احتياطيات مالية كبيرة، فان هذه يمكن أن تضيع خلال فترة قصيرة، كما ضيعنا أشياء كثيرة نفيسة بسوء إدارتنا.
وتطرق التقرير الأخير الصادر عن «طوني بلير»، رئيس وزراء بريطانيا السابق، إلى أن هناك شكا في صحة الاحتياطيات النفطية للدولة، وأنها ستنضب بمعدل أسرع مما هو متوقع، خاصة مع تنامي الطلب على النفط في العالم. وبالرغم من أن التقرير أشار إلى أن نضوب إمدادات النفط شكل مصدر قلق لغالبية الكويتيين الذين استطلعت آراؤهم، فانني أشك في صحة نتيجة ذلك الاستطلاع، فما هو سائد في الكويت أن «اليوم بيرة من غير كحول وغدا أمر!».
نقول قولنا هذا ونتمنى لكم نوما سعيدا.

أحمد الصراف

سعيد محمد سعيد

رحيل المبتسم «جميل عبدالأمير»

 

مساء يوم الأربعاء السابع عشر من شهر فبراير/ شباط الجاري كان موعدا حزينا لرحيل شاب من أهالي قرية البلاد القديم عهدته شخصيا والابتسامة لا تفارق وجهه أبدا.

المرحوم العزيز (جميل عبدالأمير) الذي فارق الحياة في عمر (35 عاما) في حادث مأساوي أودى بحياته بعد أن انحشر بين رافعة ومقطورة في أحد المواقع بميناء خليفة، ترك فراغا في الحقيقة بين أهله وأحبائه، ولا اعتراض على قضاء الله وقدره وأمره جل وعلا.

لا يبعد بيتنا عن بيت المرحوم «جميل» سوى أمتار قليلة، ولعل أهالي بلاد القديم يذكرونه دائما هو وإخوته، حينما يتذكرون والدهم المرحوم (عبدالأمير)، فقد كان الحاج عبدالأمير وجها مألوفا لدى أهل القرية لأنه اعتاد على طرق أبواب بيوت القرية بيتا بيتا ليدعو أهل البيت لحضور زفاف فلان ابن فلان، فقد كان (عزاما)، يعتمد عليه أهل القرية، بل يعتمد عليه أهالي المنطقة من قرية الزنج إلى قرية الخميس في توجيه الدعوات السعيدة لحضور حفل زفاف أبنائهم، ودائما كان يكرر – قبل انصرافه – من على باب بيت المدعوين: «حياكم لا تخلون، الله يطرح البركة للجميع».

أما المرحوم، ابنه «جميل»، فقد كان يمتاز بالابتسامة الدائمة، وشخصيا، لا أتذكر أنني شاهدته عابس الوجه أبدا، وإذا كنت تبحث عنه ذات مساء ولم تجده، فلابد من أنك ستلقاه في المناسبات الدينية حاضرا ضمن فريق المتطوعين من الشباب في مضيف «أم البنين» الذي يشرف عليه الأخ كريم كرم، وفي غيرها من الأوقات، إن لم يكن في عمله، فستلقاه في مكان ما يعمل مع أهل القرية، وربما وجدته يساعد البنائين في تشييد منزل أحد الجيران، أو مساعدة واحد من المزارعين في أعمال مزرعته.

رحيل الشاب جميل، في ذلك الحادث، يعيد التساؤلات بشان توافر اشتراطات السلامة في مواقع العمل، فعلى رغم القوانين والإجراءات المنظمة لضمان سلامة العمال، إلا أنه بين الحين والآخر يلقى عامل مصرعه بسبب خلل في إجراءات السلامة من دون ريب.

لقد أعلنت الشركة التي يعمل المرحوم لديها أنها أجرت تحقيقات فنية للحادث، وأشارت إلى أنها ستراجع نظام العمل لتحسين ترتيبات السلامة، بالإضافة إلى كشف الأسباب الفنية، والمخالفات الخاصة باشتراطات السلامة لدى استخدام الرافعات وعمليات الشحن والتفريغ فور انتهاء التحقيق، وهي خطوة مشكورة، لكنها تلزم عدم إهمالها وإبلائها الاهتمام الأكبر تجنبا لتكرار مثل هذه الحوادث المأساوية مستقبلا.