محمد الوشيحي

القضية… 
خبز وبصل


عقب الحرب العالمية الأولى، عندما كانت تركيا تحت احتلال ست دول، نجح أتاتورك في انقلابه، وباشر تحرير بلاده، فهزم الجيش البريطاني وحرر اسطنبول، ثم أرسل إلى إيطاليا رسالة، كعادته، مختصرة: «اخرجوا من بلادنا فوراً، التوقيع مصطفى كمال»، فثارت ثائرة السلطة الإيطالية: «كيف يجرؤ راعي الغنم هذا على التحدث مع إيطاليا العظيمة بهذه الطريقة؟»، وأعلنت إيطاليا أنها غاضبة وستتخذ تدابير أشد مع تركيا، وراح الزعماء السياسيون يدبجون الخطبة تلو الخطبة، ويرتقون البيان في ذنب البيان، بينما كان أتاتورك يعزز جيشه بصمت. وطرقت الحرب الأبواب، فكتب أحد العقلاء الإيطاليين: «تركيا ستفترسنا، ولست عسكرياً، فأنا لا أفهم الخطط الحربية، لكنني أعرف أن الدول تنهض وتنتصر وتفشل وتُهزم بقياداتها، وإيطاليا اليوم تحت سلطة الضعفاء واللصوص، في حين تعيش تركيا أزهى عصورها لوجود حاكم مثل مصطفى كمال، الذي أحاط نفسه بخيرة رجال تركيا، وهم مجموعة تختلف عن (حبيبنا) السلطان العثماني ودراويشه، فلا تدخلونا في حرب معهم أرجوكم. انسحبوا من أرضهم فوراً كما طلبوا، فالخشية أن تنقلب الأمور فيحرروا بلدهم ويحتلوا جزءاً من بلدنا»… وهذا ما تم فعلاً، وتبهدلت إيطاليا شر بهدلة، وكتبت الصحف الأوروبية: «الجزمة الإيطالية تغوص في الوحل»، في إشارة إلى خريطة إيطاليا الجغرافية التي تشبه الجزمة.

إذاً، الدول تنجح وتفشل وتنتصر وتُهزم بحسب حكوماتها، كما قال ذلك الإيطالي، فإيطاليا ذاتها التي كانت تحتل تركيا أيام السلطان، هي ذاتها التي راحت تستجدي أتاتورك إيقاف الحرب وتعلن استعدادها لتنفيذ جميع شروطه، بما فيها تحمل تكاليف الحرب. فما الذي تغير؟ فقط شيء واحد، الحكومة التركية.

ومنذ أن كانت بيوت مانهاتن من العشيش والصفيح، ومنذ أن كان الباريسيون ينقلون الماء على الحمير، وحكوماتنا تعاني أزمةَ البدون، وتحك جبهتها حيرة أمام مشكلة بهذا الصغر. وعندما غضب الشعب، راحت الحكومة تلوح بعصاها وتقسم لنا بأغلظ الأيمان أن قضية البدون ميتة لا محالة، فصدقناها واصطففنا للصلاة على الميت في انتظار وصول الجنازة، لكنها لم تصل بعد! يبدو أن الحكومة تؤمن بفلسفتي، فأنا أسعى إلى تحقيق أحلامي وأتمنى ألا أنجح كي لا أموت حيّاً، والحكومة كذلك مع قضية البدون.

بعض الزملاء صوروا القضية «كرة ثلج تتدحرج من أعلى الجبل»، وصورتها أنا «كرة جمر تتدحرج علينا من فوهة البركان»، وصورتها الحكومة «قطعة خبز ملفوفة بالقصدير الأصلي لتحافظ على حرارتها سنين عدداً». وما بين الثلج والجمر والخبز، كتب العقلاء الكويتيون: «أنهوا القضية فوراً، بالتي أو اللتيا، أيهما قبل، فالخشية أن تنقلب الأمور ويُفرض علينا من الخارج ما لا يرضينا». فرأت الحكومة أنّه «إذا كليت بصل، فاشبع بصل»(1)، وقررتْ أن تضيف على البدون «بدوناً» جُدُداً، هم أبناء الكويتيين من أمهات «بدون»، رغم المخالفة الصريحة السافرة للقانون.

ومنذ أن قرأت ما كتبه الزميل سعود العصفور في «الراي» يوم الأحد الماضي وأنا أضحك دمعاً، وأتخيل كيف أن الحكومة التي تبكي من ثقل قضية البدون، تضيف حملاً آخر على كتفيها. يا دان وادانة، دانة علم دانة.

ووالله لو كانت الحكومة زوجتي، لأرسلتها منذ اليوم الثالث على الأكثر إلى أهلها، ولأرسلت إليها ورقة طلاقها على ايميل «ياهو» أو «غوغل»، أيهما أسرع.

(1) من الأمثال، ويعني الهروب إلى الأمام. 

احمد الصراف

نقص الأعضاء البشرية

لقد سبق أن كتبنا أن دول العالم كافة تعاني نقصا كبيرا في الأعضاء البشرية المطلوبة لمئات آلاف المرضى. وفي الولايات المتحدة وحدها هناك 100 ألف مريض على قائمة انتظار متبرع بقلب، رئة، كلية أو كبد، والكثير من هؤلاء لن يعيشوا حتى حصولهم على ما هم بحاجة اليه. وبسبب اليأس من وجود حل سريع أو متبرع قريب، فإن البعض يضطر الى اللجوء للسوق السوداء لشراء حاجتهم من الأعضاء البشرية! ولمواجهة هذه التجارة المحرمة، فقد لجأت بعض الدول لاستراتيجيات متعددة. فإسرائيل، على سبيل المثال، قامت بإصدار تشريع يعطي الأفضلية للمتبرع على غيره في أي عمليات تبرع مستقبلية. كما يضغط الكثير من الأميركيين لتمرير قانون مثير للجدل يسمح ببيع الأعضاء البشرية وشرائها، وهذا ما تقوم به إيران، حيث تعطي الحكومة المتبرع 1200 دولار، مع منحه علاجا مجانيا لمدة سنة في أي مستشفى. وعلى الرغم من أن هذا النظام ساهم في زيادة أعداد المتبرعين هناك، فإن كلفته البشرية والمادية كانت عالية. وفي رد على سؤال وجهته إذاعة البي بي سي للدكتور الكويتي مصطفى الموسوي، الرئيس السابق لجمعية الشرق الأوسط لزراعة الأعضاء، وأحد أكثر المهتمين بقضايا منع المتاجرة بالأعضاء البشرية، قال ان القانون الإيراني ساهم في سد بعض النقص، ولكنه غير عادل للمتبرعين الذين عادة ما يكونون من الفقراء والمعدمين.
وقد سبق أن أشدنا في هذه الزاوية قبل شهرين بقرار وزير الصحة، د. هلال الساير، الذي أوقف بموجبه العمل بنظام التبرع بالأعضاء من غير أقرباء المرضى، لمنع استغلال هذا النظام في بيع الأعضاء وشرائها. وقد نمى إلى علمنا أن عملية التبرع بالأعضاء، أو بالأحرى المتاجرة بها، قد عادت الى سابق عهدها، وأن القادر على دفع المال أصبح بإمكانه استغلال حاجة الغير وشراء كلية مثلا، أما الفقير فعليه انتظار السماء. وقيل إن تدخلات من بعض نواب «الكلأ والكلك» قد أثرت على موقف الوزارة، وجعلتها أكثر تسامحا مع المرضى، وأكثر ظلما للمتبرعين. ووزير الصحة المحترم، وبقية أعضاء مجلس الأمة، يعرفون جيدا المخرج لمشكلة نقص الأعضاء في الكويت، ولكن قلة من هؤلاء المشرعين تود فهم المشكلة أو تمتلك الشجاعة للقيام بعمل ما لحلها.
وبهذه المناسبة، نهيب بمحبي الانسانية، من مواطنين ومقيمين، من أصحاب النفوس الكريمة والكبيرة، الانضمام إلى الجمعية الكويتية للتبرع بالأعضاء، ويمكنهم الاتصال برقم هاتف الجمعية 22520230 أو زيارة مقرها في منطقة الروضة شارع أبو حيان التوحيدي، لمعرفة المزيد عن شروط العضوية السهلة جدا، كما أننا على استعداد لترتيب المواصلات لمن يريد زيارة مقر الجمعية والاطلاع على أنشطتها.

أحمد الصراف