ما يدفعني إلى الكتابة لكم يا سيدي، هو أهلية دبي الفريدة في حمل لواء الحداثة والحرية في المنطقة، هذا اذا كنا نرغب في بلوغ معدلات تنمية حقيقية في أوطاننا. فما تمتعتم به دوما من جرأة وإقدام في اقتحام الصعب من المجالات وطرق أبواب المشاريع المستحيلة والنجاح في فتحها، يدفعنا لمطالبتكم بحمل شعلة الحرية الأكاديمية، المماثلة تماما للحرية الغربية والمتناغمة معها، والتي كانت تتمتع بها يوما مصر ولبنان، والتي ميزت الشعبين في أكثر من مجال. ولا شك يا سيدي أنكم على علم تام بأن من شبه الاستحالة تحقيق أي تنمية حقيقية مستدامة من دون حرية، ولا يمكن التفكير في استمرار تلك التنمية بعد تحقيقها بغير المزيد من الحرية، والحرية المقصودة هنا هي الحرية الفكرية، والأكاديمية بالذات، ضمن مشروع لا يمكن الرجوع عنه، وغير خاضع للأهواء الشخصية أو النزعات الفردية، بل حرية مطلقة غير مرتبطة بأي قيد سياسي ديني أو اجتماعي. فتخلفنا، عربيا واسلاميا، لا علاقة له بالاستعمار والصهيونية، ولا بالفقر ولا بقلة الخبرات، بل بانعدام الحرية في مجتمعاتنا منذ اليوم الذي نولد فيه وحتى نموت، وفي أحيان كثيرة بعد ذلك!
وحيث إن التنمية البشرية الحقيقية تبدأ على مقاعد الدراسة، فإن الوطن والأمة والعقيدة تطالبكم بقيادة تجربة الثورة التعليمية من دبي، لتكون قدوة للآخرين في تخليص أنظمتهم التعليمية المترهلة من كل ما علق بأردانها من وهن ووهم تلبساها طوال قرون. ويمكن الوصول إلى هذه الحرية الفكرية من خلال دعوة منظمة اليونيسكو إلى وضع نظام تعليمي «عالمي» غير متحيز لمدارس الحكومة في دبي، يكون صالحا لكل المراحل التعليمية السابقة للجامعة. كما يتطلب الأمر، من جهة أخرى، دعوة جامعة غربية عريقة إلى أن تفتتح في دبي فرعا تقوم هي بالاشراف التام عليه، وتكون لها وحدها اليد الطولى في وضع أنظمتها وقوانينها ومناهجها التعليمية المتطابقة تماما مع مناهج الجامعات الغربية العشر الأولى في العالم، وأن تكون غير خاضعة لغير السلطات التي تخضع لها مثيلاتها في الدولة الغربية المعنية.
لا شك يا سيدي أنكم تعلمون بأن المباني والقصور والجسور التي كانت في زمن ابن رشد والفارابي وابن سينا وغيرهم المئات من العقول العربية والاسلامية الذين أناروا الطريق لمن جاء بعدهم، قد زالت جميعها، ولم يتبقّ منها في زماننا غير الآثار الفكرية لهؤلاء الأفذاذ، وستبقى كذلك أبد الدهر. وحظ مباني ومنجزات دبي الخرسانية، على الرغم من عظمتها، ولمستكم القوية عليها، ستذهب وتندثر مع الزمن، ولكن ما سيتبقى، بعد عمر طويل نتمناه لكم، هو منجزاتكم في عالم حرية الفكر البشري ودوركم في تنمية وطنكم وحفظ تراث أمتكم من خلال الاهتمام بتنمية عقول حرة، بعد أن نجحتم في التنمية المادية والمعنوية لدبي.
وتفضلوا سموكم بقبول فائق التقدير وشديد الاحترام.
أحمد الصراف