لم يسمح لي الوقت أو الكسل بالأصح لمشاهدة اللقاء الكامل للدكتورة والصديقة العزيزة ابتهال الخطيب مع وفاء الكيلاني، وقد كانت نتيجة ذلك اللقاء أكثر من لقاء صحفي مع الدكتورة لتوضيح الصورة، لعل أبرزها مع الزميلة «الراي» وتصدره للصفحة الأولى من «الجريدة» بالإضافة إلى لقاء تلفزيوني على مدى ساعتين، وأكثر من عشر مقالات تتحدث عن هذه القضية. في اعتقادي أننا في الكويت لا نملك الفهم الصحيح لأن يحمل الإنسان رأياً معيناً، فكل إنسان حر في رأيه مهما تطرّف أو اعتدل، وإن تعدى الخطوط الحمراء فهناك جهاز قانوني متكامل يحاسبه، نقطة وانتهى الكلام. أما أن نفرز الناس ونلقيهم في غياهب النبذ لمجرد رأي مهما كان مرفوضا لعقولنا، فهو أمر غريب ومقيت في الوقت نفسه، لأوضح الصورة لكم أكثر، المحامي محمد عبدالقادر الجاسم كاتب لن أقتنع أبداً- من وجهة نظري الخاصة- بحرصه على الوطن، مهما علا صوته وتألق قلمه، فأنا لست مقتنعاً به أبداً، ولكن هذا لا يعني بأي شكل من الأشكال أن أرفض أن يكتب أو أمنع الناس من قراءته، والأمر ذاته ينسحب على أناس كثر من أصحاب الرأي المكتوب أو المرئي أو غيره. ليس المهم ما قالته ابتهال ومدى عنفه على عقول وعواطف البعض، وليس من الضروري أو الواجب تأييدها فيما ذهبت إليه، ولكن من المحتم في الكويت، ولو كره الكارهون، أن يتاح لها المجال لتكون حرة فيما تقول، وإن تجاوزت القانون، وأكرر القانون وحده لا سواه، فهناك إجراء قانوني لن يتجرأ المنتقدون بشكل أعمى على اللجوء إليه، أقول القانون ولا شيء سواه فلا الدين ولا العادات تحل محل القانون، والدستور واضح في هذا الأمر وحرية الاعتقاد والتعبير فيه مكفولة. قبل أن أختم لا بد لي أن أتساءل لماذا يُعتبر مَن يطرح رأياً دينياً متطرفاً أو شاذاً كإباحة قتل المدنيين من غير المسلمين أو إرضاع الكبير أو «زواج الفريند» أو التدخين في رمضان أو غيرها من أمور، مجتهداً فأخطأ وله أجر أو حسنة واحدة، في حين أن من يطرح رأيا وهو ليس برجل دين وإن كان متطرفاً أو شاذاً فهو زنديق كافر لا هم له سوى وأد الدين؟ لماذا ينتصر أسامة بن لادن الإرهابي على ابتهال الخطيب المفكرة في الحسنات عند البعض أو الكثير من هذا البعض؟ لماذا تحتاج الدكتوره ابتهال الخطيب إلى ألف لقاء صحفي وتلفزيوني لتبرير رأيها، وبن لادن يكسب الحسنات- حسب رأي البعض- لقتله الآلاف وتخويف الشعوب؟ خارج نطاق التغطية: الدكتور حسن جوهر قدم حجته في شأن غرفة تجارة وصناعة الكويت، وأحمد الهارون وزير التجارة قدم رده وقال الفصل هو المحكمة الدستورية، ولم يتنصل من واجباته، فليتوجه الدكتور حسن إلى المحكمة الدستورية، ولتنهِ المسألة ولا داعي أن تلف وتدور في جدل سفسطائي لا جدوى منه.
اليوم: 15 فبراير، 2010
تانكي التأمينات والموت عطشاً
98% من الكويتيين يعملون موظفين في القطاع الحكومي، و2% يعملون في القطاع الخاص لا كملاك للشركات بل اغلبهم كموظفين كذلك في ذلك القطاع العام الذي تغطيه نفس المؤسسة لذا فـ 99% من الشعب الكويتي سيحتاج الى راتب التقاعد بشكل أساسي لتوفير حياة كريمة له عند وصوله للسن التي يتوقف فيها عطاؤه ولا تسمح صحته له بالعمل.
ونمتلك كمواطنين بشكل مباشر اموال تلك المؤسسة الرائدة عبر الاستقطاعات التي ندفعها، لذا يهمنا كثيرا امرها فافلاسها، لا سمح الله، سيكون له وقع وضرر «دائم» على الكويتيين يزيد ربما على ضرر الغزو «المؤقت»، لذا يجب ان نتوقف عند اللغط الذي يدور حولها هذه الايام كي نضع الامور في نصابها الصحيح دون الانحياز لهذا الطرف او ذاك وبعيدا عن عمليات التسييس التي اصبحت تدمر كل شيء جميل في البلد.
وقد قرأنا ما كتب وقرأنا الردود ولم نقرأ بعد الردود اي تعقيبات مما يعني صحتها، ومن ذلك اكتشفنا ان ما قيل انه خسائر بمقدار 90% بسبب الاستثمار في كبرى الشركات الكويتية المساهمة هو في الحقيقة ارباح تم تحصيلها بشكل مسبق فالـ 6 ملايين دينار التي استثمرت حصدناها 8 ملايين دينار ومازال الخير لقدام مع تعافي تلك الشركات الكويتية الكبرى.
كما ان خسائر استثماراتنا (غير المحققة) في الاسواق العالمية التي انهارت بشكل كامل لم تزد على 12% وهي استثمارات قابلة كذلك للعودة لتحقيق الارباح في حال تحسن تلك الاسواق العالمية كما هو متوقع، اما الحديث عن طول مدة بقاء المسؤولين في المناصب فهو حديث يحتاج الى وقفة عنده، فبعض المديرين قد لا يستحق ان يبقى على مقعده حتى 3 دقائق والبعض الآخر يستحق البقاء 30 عاما وأكثر فالمقياس هو الكفاءة والقدرة على الابداع والتجدد وقلة الاخطاء.
ان مؤسسة التأمينات هي اشبه بتانكي مياه ممتلئ يوفر لاحدى القرى حاجيات الشرب والري.. الخ، والاشكال هو ان هناك انبوبا (واحد انش) يصب في ذلك التانكي الا ان سكان القرية وبعض ممثليهم اصبحوا يتسابقون على خرق التانكي ووضع انابيب 3 و5 و7 انش لسحب المياه منه، لذا فالقضية لا تحتاج لخبراء اكتواريين للتنبؤ والقول ان ذلك التانكي سينقضي مخزونه خلال كذا سنة، وان الحكمة الا نعتمد على وعد مستقبلي بأن هناك من سيزوده حينذاك بالمياه من الامطار غير المضمونة، ان فائض الميزانية العامة قد لا يكون به فائض عندما يقارب المخزون على الجفاف، والحكمة ان نتوحد لإيقاف تلك الانابيب الظالمة الخارجة منه.
ان انابيب الهدر تلك تتمثل في المطالبات الشعبوية بالتقاعد المبكر (نساء، موظفين، عسكريين، فنيين، خصخصة، أهالي معاقين، اصحاب شهادات طبية كاذبة.. الخ)، فالمرأة التي تمثل نصف المجتمع سمح لها بالتقاعد بعد 15 عاما اي تعطي الصندوق ما يقارب 4 آلاف دينار (انبوب انش) ثم تأخذ منه ما يقارب 200 ألف دينار حسب دراسات التأمينات (انبوب 50 انشا) فكيف ستبقى مياه في التانكي؟ ان على جميع مالكي ذلك الخزان كبارا وصغارا ان يحاربوا من يستبيح محتوياته عبر الدعاوى المدغدغة حتى لا يصحوا ذات يوم ويكتشفوا ان التانكي قد جف ولم يبق لاهل القرية إلا الهجرة او الموت عطشا.
آخر محطة:
الشعبوية «الحقة» والحكمة تقتضيان ان ينفرد بعض النواب بايضاح الحقائق وطلب دعم المواطنين لرفض المطالبات الشعبوية الزائفة التي زادت على حدها والهادفة لافلاس الدولة ومؤسساتها العاملة وعلى رأسها «التأمينات الاجتماعية» حفظها الله لمالكيها.
سيدي محمد بن راشد (2 – 2)
ما يدفعني إلى الكتابة لكم يا سيدي، هو أهلية دبي الفريدة في حمل لواء الحداثة والحرية في المنطقة، هذا اذا كنا نرغب في بلوغ معدلات تنمية حقيقية في أوطاننا. فما تمتعتم به دوما من جرأة وإقدام في اقتحام الصعب من المجالات وطرق أبواب المشاريع المستحيلة والنجاح في فتحها، يدفعنا لمطالبتكم بحمل شعلة الحرية الأكاديمية، المماثلة تماما للحرية الغربية والمتناغمة معها، والتي كانت تتمتع بها يوما مصر ولبنان، والتي ميزت الشعبين في أكثر من مجال. ولا شك يا سيدي أنكم على علم تام بأن من شبه الاستحالة تحقيق أي تنمية حقيقية مستدامة من دون حرية، ولا يمكن التفكير في استمرار تلك التنمية بعد تحقيقها بغير المزيد من الحرية، والحرية المقصودة هنا هي الحرية الفكرية، والأكاديمية بالذات، ضمن مشروع لا يمكن الرجوع عنه، وغير خاضع للأهواء الشخصية أو النزعات الفردية، بل حرية مطلقة غير مرتبطة بأي قيد سياسي ديني أو اجتماعي. فتخلفنا، عربيا واسلاميا، لا علاقة له بالاستعمار والصهيونية، ولا بالفقر ولا بقلة الخبرات، بل بانعدام الحرية في مجتمعاتنا منذ اليوم الذي نولد فيه وحتى نموت، وفي أحيان كثيرة بعد ذلك!
وحيث إن التنمية البشرية الحقيقية تبدأ على مقاعد الدراسة، فإن الوطن والأمة والعقيدة تطالبكم بقيادة تجربة الثورة التعليمية من دبي، لتكون قدوة للآخرين في تخليص أنظمتهم التعليمية المترهلة من كل ما علق بأردانها من وهن ووهم تلبساها طوال قرون. ويمكن الوصول إلى هذه الحرية الفكرية من خلال دعوة منظمة اليونيسكو إلى وضع نظام تعليمي «عالمي» غير متحيز لمدارس الحكومة في دبي، يكون صالحا لكل المراحل التعليمية السابقة للجامعة. كما يتطلب الأمر، من جهة أخرى، دعوة جامعة غربية عريقة إلى أن تفتتح في دبي فرعا تقوم هي بالاشراف التام عليه، وتكون لها وحدها اليد الطولى في وضع أنظمتها وقوانينها ومناهجها التعليمية المتطابقة تماما مع مناهج الجامعات الغربية العشر الأولى في العالم، وأن تكون غير خاضعة لغير السلطات التي تخضع لها مثيلاتها في الدولة الغربية المعنية.
لا شك يا سيدي أنكم تعلمون بأن المباني والقصور والجسور التي كانت في زمن ابن رشد والفارابي وابن سينا وغيرهم المئات من العقول العربية والاسلامية الذين أناروا الطريق لمن جاء بعدهم، قد زالت جميعها، ولم يتبقّ منها في زماننا غير الآثار الفكرية لهؤلاء الأفذاذ، وستبقى كذلك أبد الدهر. وحظ مباني ومنجزات دبي الخرسانية، على الرغم من عظمتها، ولمستكم القوية عليها، ستذهب وتندثر مع الزمن، ولكن ما سيتبقى، بعد عمر طويل نتمناه لكم، هو منجزاتكم في عالم حرية الفكر البشري ودوركم في تنمية وطنكم وحفظ تراث أمتكم من خلال الاهتمام بتنمية عقول حرة، بعد أن نجحتم في التنمية المادية والمعنوية لدبي.
وتفضلوا سموكم بقبول فائق التقدير وشديد الاحترام.
أحمد الصراف