محمد الوشيحي

إلى رفيق… سعد خيّب الظن

صباحك لبنان يا رفيق. صباحك نماء يا عملاق… في ذكرى محاولة اقتلاعك الفاشلة أعترف، لم أحزن في ذكراك العام الفائت، ولا الذي قبله، ولا الذي قبله، كما العام هذا. يبدو أنني اليوم أسدد فاتورة الأعوام الفائتة دفعة واحدة. ولا تسألني عن السبب، فأنا لا أجيب نيابة عن الحزن، ولا أتحدث باسمه.

من أنا؟ أحد سكان المناطق الخلفية في الكويت، عاشقٌ للبنان، لا يميّز بين شهوره، فآذار لبنان كشباطه، لا فرق إلا في الطقس. أنا رجل لا يحب الحكومات العربية، ولا حاملها وكاتبها وشاهدها وبائعها وشاريها، لكنه يعشق القادة العظام، يُطربه مصطفى كمال أتاتورك وشراسة مسدسه المدني، وغاندي وغصن زيتونه وعُريْه الذي كسا الهند، ونيلسون مانديلا وثباته الجبلي، وعبدالرحمن سوار الذهب وزهده الثري، وعبدالله السالم وبساطته الشامخة ومحبته لشعبه، ورفيق الحريري ولبنانيته الشاملة وعملقته الفاخرة…

رفيق، أيها العملاق، أرادوا اقتلاعك ففشلوا، ونجحوا في اغتيالك، وكان يجب أن تُغتال. ليس ثمة طريقة أخرى لتخليص الحمامة من مخالب النسر إلا باغتيالك. أما اقتلاعك "فبعيد عن شواربهم"، كما في لهجتنا. لم يُخلق بعد من يقتلع أرزات لبنان الشاهقة من قلوب لبنان وعشاقه.

بعد محاولة اقتلاعك، أضحت الشوارع تشك في الخطوط السريعة، والخطوط السريعة تشك في المدن، والمدن تشك في الدول… تكدّسَ الشك في السماء بسببك أيها الكبير. غيابك أوجد الشك، كما أوجد حضورك الحب.

عن لبنان تسأل؟ تطمئن؟… شوف يا عظيم، لبنان لايزال يشرب القهوة سادة، قبل أن يُحكم ربطة عنقه ويهمّ بالخروج استعداداً للسهر ورقص الدبكة. وكأنما دبْك أقدامه يذكّر الأرض بوجوده وثباته. لبنان كله يرقص. يمتلئ رقصاً. يفيض رقصاً. أظنه يؤمن بالأديان القديمة التي تشرّع: "الرقص حرام، إلا للحزانى والمكلومين"، "الرقص ترجمة الآلام". وكان الرقص حكراً على الثكلى والأرملة، ومع تسامح الأديان رقصَ الأب والابن والأخ والزوج، ومع تسامحها أكثر، رقص لبنان كله. هل تسمع حزنه؟ يا لفصاحته ووقاره. لبنان يرقص بعدما حفظ الأحزان عن ظهر دمع، وحفظ الاقتتال عن ظهر دم… لبنان يرقص.

عن ابنك سعد تسأل؟ هو لم يعد "ابنك" فقط، هو الزعيم، هو دولة الرئيس. لكنه خيّب الظن فيه، فلم يكن على قدر المسؤولية كما أردنا، كان أكبر من المسؤولية وقدرها وقضائها، كما أردت أنت. كان على قدر العشق، عشقِ لبنان بألوانه كلها، كما أراد هو.

واسمح لي أن أوجز لك ما فعله سعد في التفاوض الأخير… هل تعرف حكاية المولود الذي اختطفته الجارة، فأرادت أمه استرداده فعجزت، فاختصمتا إلى قاض نبيه، فحكم بأن يُقطع نصفين، تأخذ كلّ منهما النصف، فصرخت أمه بأعلى حبال الأمومة: "لاااااا، هي أمه وأنا أكذب"، بينما وافقت الجارة على تقطيعه، فحكم القاضي بإعادته إلى أمه الحقيقية. هذا ما حدث مع سعد بالضبط، عندما تجاذبوا لبنان حتى كادوا يمزقونه، فصرخ بأعلى حبال حريريته: "لا، أنتم أمه"، وأذعن للبنان، فراحوا يكدسون أرباحهم من خسائر لبنان، وراح يبحث عما يعوّض الخسائر تلك… أرادوا إفشال حرث سعد فتضاعفت فواكهه. أرادوه أن يقضي وقته انكساراً وقضماً لأظافر الخيبة، فقضاه نصراً وزرعاً لبذور التفاؤل.

سعد مثلك، ألبسوه قميص بيروت، فتمزق القميص عليه لضيقه، فاستبدلوه بقميص لبنان، فلاق له وبه. ألبسوه جلباب "السُّنّة" فبدا أقصر منه، وتعرت ساقاه، فاستبدلوه بجلباب لبنان فكان على مقاسه، من قمة كتفيه إلى أخمص غيمته… بعض حلفاء سعد أهدوه المؤازرة، لكنهم تناسوا، عن عمد وسابق إصرار وتبجح، ورقة السعر على الهدية كي يردها إليهم مضاعفة، بالنظام التجاري المعروف المقروف "الشيء ومقابله"، فردها إليهم مضاعفة كي لا يتوقف لبنان عن الرقص.

إيجازاً: لبنان يجني حرثك، وسعد يؤكد فشل محاولة اقتلاعك… اطمئن.

 

 

كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء

يمكنك متابعة الكاتب عبر الـ RSS عن طريق الرابط على الجانب الايمن أعلى المقالات السابقة

احمد الصراف

سيدي محمد بن راشد (1 – 2)

اسمح لي يا سيدي الكريم بمخاطبتكم مباشرة، من دون استخدام أي من ألقابكم الرسمية، وآمل أن تتقبل مني ذلك فمقامكم الحقيقي في القلب والعقل، وليس على الورق.
أنا مواطن كويتي، وعلاقتي بدبي قديمة كتاجر ومستثمر وسائح، كما استضافتني دولتكم ومساكن مدينتكم الجميلة، كلاجئ ورجل أعمال، عندما شردتني قوات صدام، ومئات الآلاف غيري من أبناء وطني.
أحببت دبي، وطالما أعجبت بتجربة نموها المتسارع في عهدكم، وكنت دائم الاشادة بمنجزاتكم الكبيرة، مع تحفظاتي على بعض جوانبها. وقد تألمت، كالكثيرين غيري من محبي دبي، لما تعرضت له اخيرا من مصاعب خارجة عن ارادتكم، أقول هذا على الرغم من أن مصالحي التجارية، مع تواضعها، لم تتأثر الا قليلا بالأزمة الأخيرة.
أكتب لأقول لكم كذلك، يا سيدي، ان دبي، بتجربتها الرائدة، وجدت لكي تبقى، فهي الأمل، وهي القدوة، وهي الواحة الوارفة الظلال في صحراء شديدة الجفاء والجفاف، حتى مع أبنائها. ولو عرف حساد دبي ما ستكون عليه حال المنطقة من غيرها، لشعروا بالخجل. نكتب ذلك ونحن على ثقة بأن دبي، بقيادتكم، ستخرج من أزمتها أشد صلابة وأكثر ثقة بنفسها.
وهنا، أتمنى يا سيدي أن يتسع صدركم لما سأقوله، والذي يتعلق بصورتكم القادمة في التاريخ، ودور دبي التاريخي القادم.
أعتقد، وقد أكون مخطئا، بأن البنية التحتية لدبي سوف لن ينتهي العمل بها لسنوات طويلة قادمة، وأن الصرف على العمران قد وصل الى حدود معقولة وكافية، للعقد الحالي على الأقل. وأن على دبي الآن الاستثمار أكثر في الانسان والفكر الانساني، بعد أن نجحت من خلالكم في الاستثمار في كل مجال عمراني وصناعي وترفيهي. وعلى الرغم من كل المحاولات الجادة التي قمتم بها في مجال التنمية البشرية، فإن التجربة، إن سمحتم لنا، لا تزال تفتقد لشيء جاد وغير مسبوق في منطقتنا، وهنا نقصد زيادة جرعة الحرية الفكرية والتعليمية التي جسدها الغرب طوال القرن الماضي خير تجسيد.
(يتبع غدا)

أحمد الصراف

سعيد محمد سعيد

شكرا… «بوعيسى»

 

اثنان من الزملاء الإعلاميين، لا يتوانيان عن تقديم ما يمكن تقديمه من مساعدة للناس، سواء عندما كانا يمارسان عملهما الإعلامي ميدانيا، أو عندما التحقا للعمل في ديوان سمو ولي العهد نائب القائد الأعلى صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن حمد آل خليفة، دون تبرم أو تعبير عن الضيق أو التهرب من المساعدة في أي وقت.

هذان الزميلان هما ناصر الذوادي وسامي هجرس، فعندما كان الأول يمارس عمله الإعلامي وكان الثاني يمارس عمله كمقدم لبرنامج شهير شهد نجاحا كبيرا خلال السنوات الماضية، وهو برنامج (هذا المساء)، سنحت الفرصة للاستعانة بهما في إيصال مشاكل بعض المواطنين إلى الجهات التي يمكن أن تقدم المساعدة، وشخصيا، لم أجد منهما أي تردد حتى وقت الاتصال أيام الإجازات وفي أوقات غير مناسبة.

وكانت لي تجربة، كشفت لي أن الكثير من المسئولين لا يتكلمون إلا من أجل التلميع الإعلامي حين يأتي الحديث عن تشجيع المبادرات الثقافية أو الاجتماعية، وخصوصا تلك المتعلقة بالأعمال الثقافية الموجهة للأطفال والناشئة فيما يتعلق بالمواطنة وتنمية الحس الوطني وثقافة الطفل، فبادرت لتقديم فكرة سلسلة أطفال بعنوان (البحرين بلادي)، ولم أجد من المسئولين إلا الصد والتهرب، حتى عرضت الأمر على الزميل ناصر الذوادي الذي وجدت منه كل التشجيع والدعم للعمل على إظهار الفكرة إلى النور وترجمتها إلى أرض الواقع.

ثم جاءت مشكلة مواطنة بحرينية مطلقة، صدر حكم قضائي لصالح طليقها الذي طردها مع أطفالها /أطفاله من المنزل، ووجدت نفسها على قارعة الطريق لا معين لها إلا الله سبحانه وتعالى، ولم يتردد الزميل سامي هجرس، منذ أن قدمها في برنامجه التلفزيوني لتعرض مشكلتها، إلى حين متابعة وضعها بعد انضمامه إلى ديوان سمو ولي العهد، بغية إنهاء معاناة أسرة بحرينية وجدت نفسها تحت ظروف قاسية للغاية.

يوم الخميس الماضي، صدر قرار من مجلس التنمية الاقتصادية برئاسة سمو ولي العهد، بالتجميد الفوري لمشروع «البيوت الذكية» نظرا لعدم استجابتها لمتطلبات المواطن البحريني، وهو مشروع أثار لغطا كبيرا بين المواطنين حول مستوى هذه البيوت، وتبع القرار توجيهات بإيقاف المخططات القائمة وإعداد مقترح إسكاني خلال أسبوعين، وهنا، لابد من الإشارة الى أن هناك مبادرات، وإن كانت محدودة، من جانب المستثمرين البحرينيين للمساهمة في حل المشكلة الإسكانية، فبادر أحد رجال الأعمال البحرينيين بتقديم نظام حديث لإنشاء المدن الإسكانية، وهو الآخر لم يجد إلا (الإذن الصمخة) من جانب المسئولين، ولو على الأقل للتعرف على فكرته وتقييمها بدلا من الجري وراء نموذج صيني أثبتت نماذجه الأولية أنه لا يلبي احتياجات المواطن البحريني.

هذا القرار، أي قرار سمو ولي العهد، أضفى حالة من الارتياح بين الكثير من المواطنين، حتى أن الكثير من القراء الكرام علقوا على موقع «الوسط» بتوجيه الشكر إلى سمو ولي العهد، وتكررت «عبارة شكرا بوعيسى»، مرارا وتكرارا، وهذا يعطي دلالة واضحة على أن المواطن البحريني يريد منزلا يلمّ أسرته بالفعل، لكنه لا يريد منزلا (جاكويتوه) كما نقول بالعامية! ولهذا، فإن من الأهمية بمكان النظر في الأفكار التي يقدمها أبناء البلد للإسهام في حل المشكلة الاقتصادية، ومنح القطاع الخاص فرصة حقيقية للمشاركة في إيجاد الحلول، على ألا تكون قاصمة لظهر هذا المواطن الذي تتلاقفه الالتزامات المالية والديون من كل جانب وصوب.

لا نقول إلا… الله يكثر من المسئولين ومن الإعلاميين الذين يجد فيهم المواطن قنوات لإيصال معاناة الناس بصدق، ولكل امرئ ما نوى