سامي النصف

فعّلوا التفتيش القضائي

«العدل أساس الملك» وما قاله تشرشل عن أن بريطانيا بخير مادام جهازها القضائي بخير لم يكن يقصد به على الإطلاق مباني المحاكم أو الوزارات المعنية التي أصابها التدمير كحال مباني بريطانيا الأخرى، بل كان يقصد به حال القضاء البريطاني الحازم وضمائر القضاة الإنجليز الذين اشتهر عنهم الاحتراف الشديد في العمل والإخلاص المطلق للعدالة.

 

ثقتنا مطلقة بمجلس القضاء الأعلى وبالقضاة والمستشارين الأفاضل في محاكمنا، وهذه الثقة تتطلب منا الدعوة لتفعيل التفتيش القضائي وتثبيت القضاة المفتشين في مراكزهم حيث إن عمليات التدوير المتواصلة في ذلك المرفق الهام تعني ان القاضي المفتش سيفتش عليه بعد مدة من قبل نفس من قام بتفتيشهم.

 

إن من يرصد أحكام المحاكم الابتدائية التي كانت تنشر في الصحف إبان فترة السبعينيات على سبيل المثال يجد أنها أقرب لأحكام التمييز في صلابتها ومتانتها لذا قلّ أن تنقض محاكم الاستئناف آنذاك تلك الأحكام، وحتى إن تم هذا الأمر يأتي النقض عادة في حدوده الدنيا وضمن تناغم تام بين الأحكام، فحكم الإعدام قد يخفف إلى السجن المؤبد، وحكم السجن او الغرامة قد يعدل ضمن نسب معينة مما يرسخ مفهوم العدل في وجدان المتقاضين فيقبلون الأحكام دون شكوى.

 

مما يلحظ فيما تنشره الصحف من أحكام هذه الأيام الفارق الكبير «أحيانا» بين حكم المحاكم الابتدائية وحكم محاكم الاستئناف، فحكم الإعدام وهو الأشد قد ينتهي بالبراءة وهي الأخف، والحكم المغلظ على المتعدي على الأعراض أو المتجاوز على الأموال ينتهي بكفالة مالية لوقف التنفيذ مما يحير المتقاضين والمراقبين ويتساءلون: في أي من الحكمين المتناقضين تمثلت العدالة ونطقت الحقيقة؟

 

كما نقرأ في بعض الأحيان منطوق أحكام تصب جميعها لصالح طرف واحد من الأطراف مع تجاهل تام لدفوع الطرف الآخر مع معرفة الجميع ان للحقيقة أوجها عدة وان من يذهبون للمحاكم لديهم في العادة دفوع خاصة بكل طرف ويصعب او يستحيل ان تكون هناك قضية يتحدث فيها طرف واحد دون الآخر.

 

لذا نرجو ان تفعّل عمليات التفتيش القضائي مع تثبيت القائمين عليها واختيارهم ممن لا يجاملون او يخشون في الحق لومة لائم، ومعها محاسبة أي عملية بها تعطيل للأحكام، فالعدل البطيء ظلم ناجز يشجع الآخرين على التمادي والتجاوز كما لا نرى مواءمة أو ملاءمة لنشر أسماء وصور المحامين ضمن بعض الأحكام الصادرة وخاصة التي تحتوي على اختلاف كبير بين الحكم الابتدائي والحكم النهائي، فليست تلك الأحكام القضائية وسيلة للدعاية والإعلان.

 

آخر محطة: (1) ضمن مذكرات المحامي المصري إبراهيم الهلباوي (185(8)1940) ذكر انه ترافع ضد رجل قام بقتل زوجته فتغير الحكم من 3 سنوات سجنا إلى المؤبد، ويضيف أن قضاة تلك القضية ذكروا له انهم فكروا بإعدام المتهم إلا انهم احجموا عن ذلك لاعتقادهم ان الفارق الكبير بين الحكم الابتدائي والنهائي يؤثر على صورة العدالة أمام الرأي العام.

(2) ضمن مذكرات الهلباوي نستطيع ان نستشف مستقبل الكويت خلال السنوات المقبلة، فقد كان للهلباوي، وهو محام عادي، خدم وحشم في بداية القرن الماضي ذكر أسماءهم في تلك المذكرات، كما كان يدخل ابناءه وبناته مدارس الفرنسيسكان والأميركان وفيما بعد الجامعات الأوروبية وكان يصيّف كل عام 3 أشهر في أوروبا ويطلب سيارته الجديدة من هناك وكان اولها موديل 10110 التي اصطدم سائقها بسيارة سعد زغلول.

(3) الزيادات السكانية الرهيبة في مصر مع ثبات الموارد أدت الى الفقر وهو ما سيصيب الكويت قطعا إذا ما أبقينا على قوانين تشجيع «الخلفة» والولادة دون خلق موارد بديلة للنفط.

احمد الصراف

درس بوحمد وحمد

مرت في 4 فبراير الذكرى السنوية الخامسة لاستشهاد الملازم حمد السمحان، متأثرا بجراحه التي اصيب بها في المواجهة التي شهدتها منطقة مبارك الكبير بين قوات الامن وارهابيي خلية او عصابة عامر خليف العنزي، المتشدد دينيا، واستشهد قبله بخمسة ايام الرقيب جواد عبدالمحسن بوحمد على يد العصبة المجرمة نفسها. وعلى الرغم من برقيات التعزية الرسمية التي أرسلت لذويهما في حينه وورد فيها انهما سيظلان في ذاكرة ابناء الكويت ووسام فخر على صدر كل كويتي، فإن من الواضح ان هذه الذكرى لم تكن بتلك القوة، والاوسمة لم تعن شيئاً، فلا تزال شوارع الكويت ومبانيها تسمى بأسماء من يسوى ولا يسوى، ولا تزال تخلو من اسم جواد بوحمد او حمد السمحان اللذين كان يجب ان يكون استشهادهما، وغيرهما كثر، درسا لنا في عدم التقاعس إزاء هؤلاء الارهابيين الذين لا يزال البعض منهم يسرح ويمرح بيننا ولهم صولات وجولات في كل ميدان، وبحر الانترنت شاهد على تصريحاتهم ومعاركهم، ومنها شريط مكالمة اجراها احدهم مع سفير دولة عربية، حيث قام بالتحدث معه كأنه صديق حميم، ثم اصدر تعليمات له، وعندما رفضها السفير اصدر مجموعة من التهديدات التي بينت تمكنه وجماعته، داخليا وخارجيا، وكل ذلك موثق على الانترنت.
قد نجد عذرا للحكومة في التقاعس عن تكريم هؤلاء الشهداء وغيرهم ممن سقطوا على يد المحتل العراقي، ولكن ما عذر الجهات غير الرسمية من شركات وجمعيات وهيئات؟ هل هي تخشى ايضا «الاساءة» الى مشاعر الجهات التي وقفت، ولا تزال تقف، معنويا وماديا، خلف الحركات الارهابية؟ ربما!!
ولو عدنا لارشيف «القبس» للفترة نفسها تقريباً لوجدنا نص مقابلة اجراها الزميل ناصر العتيبي مع خالد المغامس المدير في الخارجية، ونجد انها لا تزال صالحة، وكأنها تتحدث عن اليوم، فما ذكره من ان اموال اي تنظيم او فرد او جمعية يثبت تعاملهم مع جماعة طالبان او تنظيم القاعدة يتم تجميدها، تصريح لم يكن دقيقا في وقته، ولا يزال كذلك اليوم! واكد السيد المغامس ان هناك من يستغل العمل الخيري ويسيء اليه، ويجمع الاموال من دون تصريح، وان الوزارة لا تعلم الى اين يوجه هؤلاء الاموال؟ وعلى الرغم من مرور 5 سنوات على هذا التصريح الصريح والخطر فإنه لا يزال ساريا، وكأنه يصف الوضع الحالي، وبالتالي هل يستغرب احد سوء اوضاعنا الامنية؟

***
• ملاحظة: أرسلت الحكومة مشكورة مبلغ 5.3 ملايين دولار لاغاثة منكوبي هايتي، وسبق ان حولت مبلغ 10 ملايين جنيه استرليني لدعم مركز ديني محدد في بريطانيا يقوم بدراسات اسلامية!

أحمد الصراف