ما نقرأ عنه في الصحف والمطبوعات ونشاهده في السينما والأفلام الوثائقية ورسائل الإنترنت ومقاطع اليوتيوب وغيرها من وسائل الإعلام، إضافة إلى ما نراه رأي العين من مسيرات وتظاهرات الغضب والألم التي تخترق شوارع مدن الحزن والبلاء من أرخبيل أندونيسيا وحتى أطلس المغرب، كلها وأقل منها، كافٍ لإلقاء الرعب في أقسى القلوب وإرسال قشعريرة لأقوى فقرات الظهر وبث الهلع لدى سياسيي أعتى الأنظمة، فهذا الغضب الإسلامي والتظاهرات الدموية والسيوف التي تقطر دما والرؤوس الموشحة بأربطة سوداء وصفراء وحمراء، والسلاسل التي تلهب الظهور والأكف التي تحرق الصدور والوعيد الملهب للحناجر، متوعدة الأعداء من غربيين وكفرة ويهود، وحتى مسلمين عرب وعجم، بأبشع النهايات، وكل تلك العيون الفلسطينية واللبنانية والإيرانية والعراقية وغيرها التي تقدح شررا، وهي تسمع خطبا نارية تقطر دما وتفجر النفوس وتدفعها للجهاد والموت في سبيل العقدة والعقيدة، مع ما يصاحب ذلك من صور أطفال يتوعدون «أعداءهم» بالموت والأحزمة الناسفة تطوق صدورهم والقنابل تتعلق بأحزمتهم والشعارات المتطرفة تملأ الفضاء من حولهم، وأمهاتهم وآباؤهم يهللون ويزغردون خلفهم، متمنين لهم الشهادة في سبيل الوطن والدين، متوعدين الغرب وإسرائيل والعالم الآخر برمته بالقتل والسحل والموت والدمار، كل هذه ما هي إلا بدايات نهاية العقل والمنطق لدينا، مع كل آثار كراهية الاخر المتمثلة في العمليات الانتحارية، ما ينفذ منها وما يحبط، وما تنشره من موت ودمار عبثي وسط مناحات وأدخنة سوداء تملأ فضاءات المدن والعقول في كل مكان، وما يتبعها من ردود فعل وتشدد ضد كل ما هو عربي وإسلامي في الشرق والغرب، ليطاردوا كحثالات البشر وآفات وأوبئة يجب التخلص منها بإبعادها ليفقد الآلاف مصادر عيشهم ويطردوا من أعمالهم ويرحلوا لسابق أوطانهم، حيث الاعتقال والاستجواب والتعذيب وربما الفناء الأبدي!
نعم العالم مصدوم ومبهور ومندهش وخائف من كل هذا الغضب الديني والزخم العقائدي الذي نصدره لهم كل يوم في مختلف الصور والأشكال، ولكن هل نحن حقا بكل هذه القوة النفسية والعسكرية والعلمية، لكي نشكل تهديدا حقيقيا للسلم العالمي؟ الجواب «لا» كبيرة، فلا قوة ولا حول لنا في أن نشن حربا أو نفوز في معركة ضد أي من أعدائنا، صغر أم كبر! ولكن هذا لا يعني أن حكوماتنا، المعنية أكثر من غيرها بالأمر، يجب أن تترك الأمور على الغارب، فإمكان حصول قلة مجنونة منا على أسلحة دمار شامل ووضع العالم على شفير الهاوية، أو التسبب في فناء جزء كبير من البشر لا تزال قوية، وأن علينا السعي بكل ما نملك لوقف هذا المصير المظلم الذي سنكون أكبر ضحاياه! ولكن هل باستطاعتنا حقا القيام بأي شيء لوقف الكارثة القادمة لا محالة، هاجرنا أم لم نهاجر؟
أحمد الصراف