سامي النصف

عشيرج قطعة من السوفييت!

تاريخنا الكويتي غير مكتوب، وهو أمر خطير جدا يمكن أن يستغله أي أفّاق أو طاغية مستقبلا ليدعي ما يريد كما هو الحال مع صدام حسين، لذا فأجمل ما يمكن أن يعمله أي مراقب للشأن العام هو أن يسجل مذكراته وذكرياته على أشرطة ثم يحيلها إلى كتب في الوقت الذي يراه مناسبا، وما نرجوه في هذا السياق هو ألا يعتمد فقط على الذاكرة التي تخون، بل تكليف من يقوم بالتحقق من المعلومات الواردة فيه، حيث تدون المعلومات هذه الأيام بشكل آلي على مواقع الإنترنت ومراكز البحث العالمية مثل غوغل ومن ثم يمكن لها أن تضلل الباحثين.

مما أورده العم برجس حمود البرجس في كتاب ذكرياته القيم «السدرة» عن مساهمته في نقل وصية شهداء ساحة أم الطبول ونعني ناظم الطبقجلي ورفعت الحاج سري ورفاقهما والتي هربت من العراق للكويت بقوارب الخشب حتى تبللت بالماء ثم قام بتجفيفها العم جاسم القطامي ونقلت بعد ذلك لدمشق والقاهرة، حيث أذيعت من راديو صوت العرب وساهمت بدق المسمار الأول في نعش وعرش الطاغية عبدالكريم قاسم وابن خالته فاضل عباس المهداوي (أبناء الشقيقتين كيفية وعكاب حسن يعقوب الساكني بعكس ما هو وارد في «WIKIPEDIA» من أن المهداوي ابن أخت قاسم.

مع انقضاء الأيام الأولى لانقلاب 14 تموز 1958 الدموي في العراق قام خلاف حاد بين القوميين المؤيدين لعبدالسلام عارف والشيوعيين المؤيدين لعبدالكريم قاسم، وفي مارس 1959 قررت القوى الشيوعية عقد مؤتمرها في الموصل عقر دار القوى القومية فتوترت الأجواء وقرر قائد حامية الموصل عبدالوهاب الشواف، إعلان الثورة وأذاع محمود الدرة أن الطبقجلي ورفعت الحاج سري أعلنا تأييدهما لها طمعا في حشد التأييد لقائدها الشواف، ولم يكن ذلك الأمر حقيقيا، ولحق ذلك قيام الشيوعيين بمذابح وعمليات سحل وقتل تخجل منها الإنسانية بحق القوميين وظهرت الصور الدامية في الصحافة العالمية.

قام العقيد فاضل عباس المهداوي بمحاكمة الطبقجلي ورفعت ورفاقهما وقد أحضر بعضهم محمولا على النقالة من كثرة التعذيب في معتقل الدبابات، وقد صدر حكم الإعدام بحقهم بأغلبية 3 ضد 2 مما لا يوجب التنفيذ، وأرسل مرجعا النجف الأشرف السيدان محسن الحكيم وعبدالكريم الجزائري في 15/9/1959 رسالة يطالبان فيها بالصفح والعفو عن الطبقجلي لما يتمتع به من مكانة في نفوس الناس وماض مجيد، ورفض الطبقجلي رفع عريضة استرحام لقاسم كي يعفو عنه كما رفض الأخير التوقيع على الحكم لولا تحريض المهداوي وماجد أمين وإلحاح الزعيم سعدي القرغولي فوقعها عبدالكريم قاسم وهو يقول.. تمام سعدي تمام.

اغتسل الطبقجلي ليلة إعدامه وكتب وصيته التي وصلت للكويت ومنها للعالم ومن ضمنها أن يقرأ على قبره في الأعظمية علماء السنّة والشيعة وفي صباح اليوم التالي قرأ عليه الإمام نجم الدين الواعظ الشهادة فهتف الطبقجلي بشعار «الله أكبر والعزة للإسلام، الله أكبر والعزة للعرب» وكانت آخر كلمات تفوّه بها الطبقجلي ورددها رفاقه الآية الكريمة (وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون) قبل إطلاق الرصاص عليهم، ويذكر رفقاء قاسم أنه لم يذق النوم قط بعد قتله لشهداء ساحة أم الطبول حتى سمي بـ «الزعيم الذي لا ينام» وكان يردد حتى يوم مقتله لماذا قتلتهم.. الله يلعن الذي كان السبب.

اشتدت المظاهرات المناهضة لقاسم وكان من هوساتها «جيش العرب ماينولى يا رفعت يا الطبقجلي» و«يا بغداد ثوري ثوري خلي قاسم يلحق نوري» واضطر قاسم تحت الضغط أن يحيل الشيوعيين الذين قاموا بمذابح الموصل للمحاكم وقد قام بعضهم بالهرب للكويت والسكن في منطقة «عشيرج» النائية قرب منطقة الدوحة، فظهرت هوسات تحرض المهداوي والنظام ضد الشيوعيين وتقول «تقدم يا المهداوي تقدم، عشيرج قطعة من السوفييت» للدلالة على تكاثر الشيوعيين في عشيرج، وهوسات العراقيين دائما غير شكل!

آخر محطة:
 الزميل الفاضل عدنان الراشد يملك كما هائلا من المعلومات التاريخية التي يمكن تقسيمها إلى كتابين الأول عن الشأن الكويتي بحكم مراقبته ومشاركته فيه، والثاني عن الشأن العربي، ولديه كذلك كم كبير من خفايا دهاليز السياسة العربية لذا نرجو استكمال الكتابين بالسرعة الممكنة.. عفيه.

سعيد محمد سعيد

خريجون وخريجات لا يريدون (وظائف)!

 

في الرابع عشر من شهر أكتوبر/ تشرين الأول من العام الماضي 2009، تم تدشين مشروع تأهيل وتوظيف الخريجيين الجامعيين، ولا شك في أن مشروعا كهذا، وإن كان يعكس حقيقة وجود مشكلة في سوق العمل لاستيعاب الكوادر البحرينية المؤهلة علميا، إلا أنه يمثل انطلاقة تصحيحية مهمة للقضاء على ظاهرة البطالة بين الخريجين، ليس من الخريجين الجامعيين فحسب، بل بين كل بحريني عاطل عن العمل.

هذه الخطوة (التصحيحية) التي تمضي فيها وزارة العمل بالتعاون مع صندوق العمل (تمكين)، لن تنجح إلا من خلال مبادرة الخريجين والخريجات أنفسهم للاستفادة من الخيارات المطروحة أمامهم، فالمشروع كما هو معلوم مدعوم من قبل عاهل البلاد جلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة، وهذا يعني أن كل المعوقات التي ربما تظهر بسبب تلكؤ القطاعين الحكومي والخاص، سيكون من السهل تجاوزها، فهذه نقطة مهمة، وخصوصا أن تكدس أعداد العاطلين الجامعيين وغيرهم، كان من بين أسبابه عدم جدية بعض القطاعات من شركات كبرى ومصارف وشركات صناعية ومؤسسات مالية في القيام بدورهم الوطني لتوظيف أبناء بلدهم في الوظائف الشاغرة.

ولربما استطاعت وزارة العمل أن تزيل هذا العائق من خلال قرارات إدارية صارمة، واستحداث أنظمة تدعم التوجهات لاستيعاب البحرينيين في سوق العمل وفتح المجال أمامهم ودعمهم في المنافسة القسرية أحيانا مع غير البحرينيين في الشواغر المغرية، بالإضافة الى تواصل الوزارة مع كافة القطاعات، لكن مع ذلك، تبقى الكرة في ملعب الخريجين والخريجات.

هناك فئة منهم، لا يريدون الوظائف المتاحة أمامهم، ويعتقدون أن خيار الوظيفة الحكومية، هو الخيار الأول أمامهم ومن دونه فلا، مع أن هناك من الخريجين من التحق بوظائف في القطاع الخاص واستطاع إثبات نفسه والوصول على مستويات وظيفية تتميز بالراتب الممتاز وظروف العمل المناسبة والتقدير المستمر للجهود التي يبذلونها، ولعلنا اليوم نرى أن الكثير من المؤسسات المالية والاستثمارية وشركات التأمين وشركات المقاولات الكبيرة وشركات الاتصالات، تضم كوادر بحرينية خريجة ومؤهلة، لكنها استطاعت من خلال الصبر وتحمل ظروف العمل في وظائف دنيا لأن تكتسب الكثير من المهارات والخبرات وفهم أنظمة العمل وتكوين الشخصية المهنية المرموقة، وبذلك حققوا ما يطمحون إليه، فالتوفيق من الله سبحانه وتعالى، والجهد والسعي، يلزم من الإنسان أن يكون متفائلا دائما بأن من جد وجد، ومن زرع حصد.

أيضا، يصر بعض الخريجين والخريجات على الحصول على وظائف قيادية مكتفين فقط بالشهادة الأكاديمية، فيما لا يتردد بعض الخريجين عن القول إنهم (ليسوا في حاجة الى تأهيل) وكأن الدراسة الأكاديمية وحدها كافية لبدء الحياة العملية من دون تدرج في الوظائف ومن دون مسار شاق لاكتساب المهارات والخبرات.

هناك بضع عوائق تضعها فئة من الخريجين والخريجات منها أنهم لا يريدون العمل في القطاع الخاص، فيما تذهب فئة أخرى الى أنهم لن يقبلوا إلا بوظائف وامتيازات تناسب مؤهلهم الجامعي حتى وإن كانوا يحتاجون فعلا للتدريب والتأهيل، لكن في المقابل، يمكن أن نرصد نماذج من الخريجين الذين بدأوا في وظائف إدارية يسيرة، ثم استطاعوا بفضل الله أن ينالوا فرص عمل مغرية للغاية.

وللحديث صلة