احمد الصراف

قراءة في الزمن الجميل

خرج المواطن (..) وزوجته من حفل دبلوماسي، وبسبب زيادة ما تناوله من مشروبات، فقد شعر بأنه غير قادر على قيادة سيارته بطريقة سليمة، ولعدم معرفة زوجته بالقيادة قرر الوقوف بجانب الطريق لبعض الوقت، وما هي إلا لحظات حتى وقفت دورية شرطة وسأله العسكري عن سبب توقفه، وعندما عرفه طلب منه -باحترام كبير- التنحي عن مقعد القيادة، واشار الى زميله بان يتبعهم، وقاد الشرطي السيارة حتى بيت المواطن في العديلية، وودعه من دون ان يكلف نفسه حتى طلب أوراق ثبوتية منه!
حدث ذلك في نهاية ثمانينات القرن الماضي، اي قبل اقل من 20 عاماً، وعلى الرغم من قصر المدة، فان من الصعب تصور حجم الانقلاب الكبير الذي اكتسح حياتنا في زمن «الصحوة»، التي سادت المجتمع، فمن الصعب حتى تخيل صدور مثل هذا التصرف الراقي الآن من غالبية شرطتنا، كما ان احصائيات الجرائم الكبيرة، والاخلاقية بالذات، تبين اننا ابعد ما نكون عن الاستقامة التي سبق ان عرف بها الكويتي، بعد ان تغيرت التركيبة والعقلية في الكثير من مراكز اتخاذ القرار، وربما تكون اجراءات إلقاء القبض على المواطن محمد الجويهل -التي تخللها «اقتحام» الطائرة وتصفيده امام الجميع واقتياده كالمجرم الخطر، وسط خوف وهلع الركاب واستنكارهم من كم العنف الذي استخدم معه- دليلا على نوعية «السلوك» الذي اصبح مسيطرا على المناط بهم حفظ الأمن.
وبهذه المناسبة، ورد في مقال للكاتب العراقي أحمد الحبوبي ان النائبة مها الدوري طالبت حكومتها بان تحذو حذو محافظة البصرة وتمنع تناول الخمر في العراق جميعه، وقد سخر الكاتب من طلبها قائلا انه يأتي بعد انتهاء مشاكل العراق، واصبح الماء وفيرا والكهرباء مستمرة والأمن مستتبا والشوارع «مبلطة» والمدارس مفتوحة، والاقتصاد مزدهرا والاتصالات والمواصلات ممتازة، وبعد ان ضمنوا للجميع حياة هانئة، وبالتالي لم يبق للسلطات الا الانشغال بارسال الناس الى الجنة من خلال منع بيع الخمور، متناسين انه حيثما منع الخمر وجد العقل البشري بطريقة بديلة وفعالة للالتفاف على القرار، اما بتهريبه او صنعه «محلياً»، او بايجاد طرق اكثر كلفة وخطرا، والامثلة من الدول المجاورة للعراق اكثر من ان تحصى، ففيها يمنع تعاطي المشروبات، ولكن تنتشر فيها المخدرات وحبوب الهلوسة السهلة التهريب! وقال الكاتب ان العراق، منذ الدولة الاموية وحتى اليوم، كانت فيه مشروبات روحية، ولم يسمع قط ان شخصا خرج من حانة لينفد عملية ارهابية يقتل فيها المئات. وينهي الكاتب مقاله بالقسم بانه ليس ضد الدين، ولكن هكذا كانت الحال في العراق، وليس هناك ما يثبت انه سيصبح احسن ان منع الخمر فيه، وان الوضع الأمني الهش والحدود المستباحة وتفشي الرشوة في كل مفاصل الدولة وسعي مافيا المخدرات لفتح اسواق جديدة تفرض على السلطات تجنيب قواها الامنية حملا ثقيلاً لا تحتمله!
ولو نظرنا لحالنا في الكويت، منذ تطبيق قانون حظر المشروبات في ستينات القرن الماضي، لوجدنا ان جميع القوانين والاجراءات المتخذة من السلطة لم تُجْد. نفعا في منع دخولها البلاد وتوافرها لمن شاء بسهولة نسبية، وان الفرق كان في السعر المرتفع لمصلحة المهرب، المتنفذ عادة! اضافة الى ما نتج عن المنع من زيادة هائلة في استهلاك المخدرات وحبوب الهلوسة وارتفاع عدد ضحاياها، فهل هناك من يريد ان يفهم..؟!

أحمد الصراف

سعيد محمد سعيد

البضائع الرخيصة المجانية: فضائح السنة والشيعة (2)

 

انتهى الحديث في الحلقة الأولى من هذه السلسلة يوم الأحد الماضي، بعد تقديم موجز بشأن شكل الصراع الطائفي البغيض وتبادل الاتهامات والتشويه والعداء بين السنة والشيعة في الوسائط الإعلامية الحديثة على شبكة الإنترنت، بإشارة لاستعراض بضع نماذج هي متوافرة دون شك على الـ “يوتيوب” ومنها ما هو مستقطع من مشاهد بثتها بعض القنوات الفضائية الهادفة للفتنة، ومنها ما هو قادم من كل حدب وصوب.

ولابد من التأكيد مجددا، على أن صراع (الفضائح الخفي)، لا يستثني طائفة دون أخرى طالما أن الهدف الحقيقي من ورائها هو اشعال فتيل الفتنة والعداوة والتناحر بين أبناء المجتمع الإسلامي، وليس كما يدعي تجارها من أن عملهم المتستر في الحجرات المظلمة هو: “الدفاع عن الدين الإسلامي والتحذير من الروافض من جهة، أو من النواصب من جهة أخرى”، فكلا الطرفين، لا ينتهجان القاعدة الدعوية الإسلامية الواضحة التي حددها القرآن الكريم في الآية الشريفة: “ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ” النحل 125، وفيها قال بعض المفسرين: “إن الخطاب لكل من يصح أن يتوجه إليه الخطاب”، مع تقسيمات لسنا في وارد شرحها.

بالنظر الى موجة الكراهية المعتمدة على الوسائل الإعلامية الحديثة لترويج البضائع المجانية الرخيصة، فإنه ما من شك في أن أسلوبها لا يتوافق اطلاقا مع الآية القرآنية الكريمة!ولا تتمحور أبدا على ركائز الحكمة والموعظة الحسنة، إنما هي شكل متجدد رديء من أشكال إثارة الأحقاد الطائفية والعداوات، وهي على أي حال، لا تلقى قبولا لدى المعتدلين والصالحين من أبناء الأمة، ويكتفي بها من أصيب بمرض الطائفية قبل ولادته وسيبقى معه حتى يوم وفاته.

هناك نماذج عديدة لخطابات أقل ما يقال عنها “عدائية وتحريضية” منتشرة بصورة كبيرة على اليوتيوب، وفي مجملها يتحدث معممون متشددون من الطائفتين السنية والشيعية ضد طوائف بعضهما بطريقة تلعن رموزا دينية يفترض أن يحترمها جميع المسلمين أو تكفر أتباع طائفة بكاملها، لكن للأمانة، وكحال الكثيرين من أمثالهم، فهم لا يمثلون أي مذهب بقدر ما يمثلون أنفسهم، وخطابهم ليس خطاب مذهب إسلامي متسامح قطعا.

لماذا؟ وما هي أسباب ودوافع هذه الخطابات؟ سيأتي الجواب مستقبلا.