السلطنة الزرقاء هو اسم أول مملكة عربية إسلامية قامت في السودان عام 1505، وفي عام 1956 عمل الرئيس جمال عبدالناصر على فصل السودان عن مصر ودفعها للاستقلال عن طريق تسليم ملفها للمعتوه صلاح سالم، وضرب كلا من الشيوعيين (1952)، وأحزاب العهد الملكي (1953) والإخوان المسلمين (1954) وعزل الرئيس محمد نجيب (1954)، ومعاداة الانجليز المؤثرين في السودان، وجميع تلك الكتل والدول كان لها وجود مؤثر جدا في السودان، ما دفعها للانفصال والاستقلال.
وتم خلال الخمسين عاما الماضية السير ضمن نمط ثابت من الحكم في السودان وهو حكومة وطنية يسقطها انقلاب عسكري ثم يتم إسقاطه بثورة شعبية (3 حكومات وطنية، 3 انقلابات عسكرية و3 ثورات شعبية خلال 54 عاما) والسودان يعيش الآن ضمن مرحلة الحكومة الوطنية بعد ان فرض اتفاق السلام في نيفاشا الديموقراطية والتعددية القائمة هذه الأيام على أرضه.
والسودان الذي يعامله البعض على انه «رجل أفريقيا المريض» هو أكبر دولة افريقية وعربية بمساحة 2.5 مليون كم2 ويبلغ عدد سكانه 40 مليونا وقد كان مرشحا لأن يصبح سلة الغذاء لما لا يقل عن مليار نسمة إلا ان الحروب الأهلية المتتالية أضعفته وفرضت عليه إعطاء الجنوب حق الانفصال، مما سيجعله يفقد ما يقارب ثلث أرضه ما لم يتم تدارك تلك الفاجعة القادمة.
وسيفقد السودان عبر انفصال جنوبه (الأندلس الجديدة) جل ثروته من الذهب الأسود (النفط) الموجود أغلبه في الجنوب، والذهب الأبيض (المياه) حيث لا يزيد معدل سقوط الأمطار في الشمال على 20 ملم بينما يزيد في الجنوب على 1000 ملم في العام، والذهب الأخضر (الزراعة) كون أراضي الشمال صحراوية قاحلة بينما تتساقط الفواكه على الأرض في الجنوب دون ان يهتم أحد بالتقاطها لوفرتها، إضافة الى تواجد الذهب الأصفر واليورانيوم والنحاس على أرض الجنوب دون الشمال.
ولا يشعر المراقب بأن هناك أي جهد يبذل سودانيا أو عربيا لمنع انفصال الجنوب، فلم تنشأ فضائيات وصحف في الجنوب تظهر مزايا البقاء ضمن الدولة الواحدة مما سيرجح كفة دعاة الانفصال، وحتى لو أظهرت نتائج الاستفتاء القادم بعد أشهر قليلة الرغبة في البقاء ضمن التراب السوداني فستدعي القوى الجنوبية زيف تلك النتائج وتعلن الحرب والانفصال.
ولن يتوقف الانفصال الدموي على ولايات الجنوب الذي سيتوافر بعد فصله عاملان مهمان سيدفعان بانفصال دارفور وكردفان والمناطق الشرقية، أولهما اتهام القوى الفاعلة في تلك الولايات للقيادة والحكومة القائمة بأنها سبب الانفصال ومن ثم الثورة عليها والانفصال عنها، والثاني ان فقدان ثروة الجنوب الوافرة وخاصة عوائد النفط سيضعف من المشاريع والصرف الحكومي على بقية الولايات، ما سيكون دافعا إضافيا للانفصال في ظل شكوى قائمة من عدم عدالة توزيع الثروة.
آخر محطة:
(1) بكى العــرب دمـاً على فقدان 20 ألف كم2 من أرض فلسطين فما الذي سيفعلونه وهم بصدد فقدان 2.5 مليون كم2 من أرض السودان؟! الأرجح لا شيء.
(2) واقع الحال يظهر ان الشمال العراقي والجنوب السوداني قد انفصلا «فعليا» عن باقي الأمة ولم يبق إلا الإعلان الرسمي عن ذلك الأمر.
(3) تعمل للأسف توجهات إسلامية فاعلة جدا في الشمال على دعم انفصال الجنوب «العلماني» و«الكافر» حتى يمكن لها تحقيق حلمها بخلق «إمارة إسلامية نقية» في الشمال.
(4) زيارتنا للخرطوم هي الزيارة الأولى لوفد صحافي كويتي للسودان منذ استقلال البلدين، كما انها أول زيارة لوفد إعلامي مشترك بين جمعية الصحافيين الكويتية و«كونا»، وهو أمر ما كان له أن يتحقق لولا جهد رئيس الجمعية ودعم مدير عام الوكالة.