في الحقيقة، يدخلنا الحديث عن واقع الأطفال العرب، سواء في منطقة الخليج العربي، أو على مستوى الوطن العربي بشكل عام، في منطقة شائكة للغاية! ومعقدة بدرجة تحمل معها الكثير من المخاوف المستقبلية، ولكن، ليس بالأمنيات فقط يتحسن وضع الطفل العربي.
الطفولة العربية، ونحن نعيش يوم الطفل العربي والخليجي 15 يناير/ كانون الثاني، مساحة مهمة مهملة من جانب واضعي السياسات في الوطن العربي، ويحضرني تصوير مهم لرئيس تحرير مجلة العربي الكويتية، سليمان العسكري حول واقع الطفولة في الوطن العربي يقول فيه :»الأطفال في عالمنا العربي والسماء فوقهم بهذا الانخفاض، كيف يمكن أن يرفعوا رؤوسهم بكامل قاماتها؟ وكيف يمكن أن يتأملوا الآفاق البعيدة دون فضاء رحب يتيح لهم الانطلاق؟ الأطفال العرب ـ وليس أطفال فلسطين وحدهم ـ محاصرون، ولأنهم مادة المستقبل، فإن هذا يعني أن المستقبل العربي كله محاصر، مساحة الإبداع فيه ضيقة، والقدر المتاح للابتكار معدوم تقريبا».
ولهذا يطرح تساؤل مهم :» من المسئول عن كل هذا؟»، إن أنظمة التعليم العربي لا تخنق الحرية فقط ولكنها تقتلها عمدا، والواقع العربي لا يجعل الطفل يأخذ نصيبه العادل من خبرات الطفولة، هنا، تتوزع مسئولية الحصار الذي يعيشه الأطفال العرب على جهات عدة، على رأسها نظام الأسرة، المؤسسة التعليمية، المؤسسات الثقافية والإعلامية، وتلك الهوة من التخلف التي نعيش فيها والتي ارتضيناها لأنفسنا كأنها قدر محتوم.
لقد أعدت جامعة الدول العربية والمكتب الإقليمي لمنظمة الامم المتحدة للطفولة «اليونيسيف» دراسة حول واقع الطفولة في الدول العربية تحت عنوان «عالم عربي جدير بالأطفال» بهدف توضيح الصورة الواقعية لأوضاع الأطفال في الدول العربية، ومن ثم العمل والسعي الجاد لتحقيق تقدم أسرع نحو الارتقاء بهذه الأوضاع والتأكيد والاستفادة من الايجابيات فيها، مع معالجة السلبيات منها من خلال تنفيذ أهداف خطة العمل العربية للطفولة، التي أصدرها المؤتمر العربي الثالث لحقوق الطفل في الجمهورية التونسية في يناير من العام 2004.
تلك الدراسة أشارت الى أن عدد الأطفال في كثير من دول العربية يصل الى مايقارب من نصف عدد السكان، بينما ينمو عدد السكان بصورة عامة نموا سريعا! وإذا استمرت معدلات الزيادة الحالية على ما هي عليه، فإنه من المتوقع أن يصل تعداد العالم العربي الذي يبلغ الآن 285 مليون نسمة إلى نحو 650 مليون نسمة بحلول العام 2050، وتصل نسبة من هم دون سن الخامسة عشرة الى 34 في المئة من هذا العدد الإجمالي وهي نسبة لا تزيد عليها إلا نسبتهم في الدول الافريقية الواقعة جنوب الصحراء الكبرى وهي 42 في المئة.
ذلك يعني أنه سيكون على الدول العربية أن تنمو أسرع من المعدل الذي كانت تنمو به من قبل حتى في سنوات الانتعاش النفطية، كي يمكنها التعايش مع الأوضاع عندما يكبر هؤلاء الأطفال ويبدأون في البحث عن عمل، وبما أن المعرفة، أكثر من الموارد الطبيعية أو رأس المال، هي أساس ثروة الأمم، فإن الدول العربية عليها الاستثمار في تعليم الأطفال كي يمكنها المنافسة في الاقتصاد الكوني، وإذا استمر معدل سرعة النمو وأنماطه الحالية مستقبلا، فمن الممكن أن نتخيل عالما من البطالة الضخمة، إحباط الشباب، والقمع والفوضى والعنف.
وبناء على ذلك، فإن هذه الدراسة تكرس اهتمامها بوضع الأطفال في العالم العربي، والعمل في إطار المقاربة الصحيحة للتنمية، والسعي لإثبات أن الاستثمار في الأطفال ضروري لتقدم المنطقة، وأن قصور الاستثمار فيهم لن يؤدي إلا إلى خنق التنمية وشل الاقتصاد وإحباط المستقبل.