محمد الوشيحي

الصدق يبقى

الناس تختلف منذ بدء الخليقة. هناك الفارس دريد بن الصمة وهناك محيسن بن الخوافة، وهناك مسلّم البراك ودليهي الهاجري، وهناك أحمد السعدون وجاسم الخرافي، وهناك الحكومات الناجحة الذكية مثل حكومة فنلندا، وهناك حكومات تشعر بفراغ عاطفي إذا فات يوم من دون أن تتسبب في كارثة، مثل حكومتنا. وهناك المسلمون والمسيحيون واليهود والبوذيون والهندوس. بل وهناك السنة والشيعة واختلافهم التاريخي وهم من دين واحد، ووو. هذه هي طبيعة الأشياء. الاختلاف. اختلاف الشخصيات والمبادئ. ولكلٍّ عذره وحجته.

والبحث عن مبرر هو أسهل الأشياء في هذه الدنيا. أعطني أي قضية تخطر على بالك، وسأتحدث مؤيداً أو معارضاً لها. تعال معي إلى دريد بن الصمة ومحيسن مثلاً، دريد سيقول مبرراً فروسيته وشجاعته إن الأرض والعرض والقبيلة لا يحميها إلا الشجعان، وإن الجبن عارٌ، والتاريخ لا يخلد إلا أسماء الفرسان، و"لا يسلم الشرف الرفيع… إلخ"، ومحيسن سيقول إن الله خلق الإنسان ليعمّر الأرض لا ليقتل الخلق، ولو كان كل الناس مثلي لما كان قتل هناك ولا قتلة، ولعاشَ الناس في وئام تام، وضميري لا يطاوعني على أن أتسبب في يُتم أطفال وقتل معيلهم فيهلكوا من بعده، وسيرد عليه دريد، وسيعقّب محيسن، وستستمر الأرض في دورانها.

وفي قضية فوائد قروض المواطنين، هناك من يطالب بإسقاطها كي لا تختفي الطبقة الوسطى، فيتحول الشعب إلى طبقتين، طبقة فاحشة الثراء وأخرى تنام في العراء، وهناك من يعارض إسقاط الفوائد ويبكي أو يتباكى على مستقبل الأجيال القادمة، ويعتبر أن المواطن المُطالِب بإسقاط الفوائد يتصنع المسكنة، بينما هو في حقيقته مجرم بحواجب كثيفة، يجلس متربعاً، ويمسك فخذ العجل المشوية بيديه الاثنتين، وبين كل نهشة وضحاها يقهقه بأعلى صوته، وأنه لا يوجد مواطن لا يمتلك أربع سيارات على الأقل ويسافر كل صيف.

بعض المعارضين نصدقه، وبعضهم يستعبط، وبعضهم على أهبة الاستعباط، وبعضهم لا تسمع له صوتاً عن الفساد الذي أضاع أضعاف أضعاف تكلفة إسقاط الفوائد. لن تسمع، مثلاً، صوت الفاضل الوزير السابق بدر الحميضي في عقد "استاد جابر"، وستفتقد صوته في حكاية امتداد فترة انتظار السكن إلى ما يزيد على خمسة عشر عاماً، علماً بأن قضية السكن تهم بالدرجة الأولى الأجيال القادمة.

وستجد مسلم البراك يتحدث عن الأجيال القادمة والحالية ويعكف على تقديم المقترحات، وستجد السعدون يصرف من وقته نحو ثماني ساعات يومياً لإيجاد حلول لمشكلة السكن، إلى أن وجدها وتبناها مع كتلة العمل الشعبي وآخرين، ثم صرف وقتاً آخر في إيجاد حلول للحد من العبث بمشاريع البي أو تي، وصاغ مقترحاً تقدم به مع كتلته، وقبل ذلك كسروا احتكار شركة الاتصال فتنافست الشركات على إرضاء العميل، وهكذا. وفي المقابل، لم يتقدم جاسم الخرافي، على سبيل المثال، بأي مقترح يحفظ للأجيال القادمة أموالها، التي يبكي عليها اليوم، ولم يتقدم كذلك بمقترح يؤمّن للأجيال الحالية حتى ولو جبنة، كي لا يتشبهوا بالفئران.

وبالنظر إلى الأسماء سنجد اسمي السعدون والبراك مؤيدين لإسقاط الفوائد، والخرافي والراشد معارضين، فمَن نصدق؟ سنصدق الخرافي طبعاً لأنه حكيم الأمة. وقديماً قيل: "الصدق يبقى والتصنّف جهالة".

وألف مبروك إقرار القانون الذي عرفنا أنه سيُقر منذ أن منحت الحكومة ونوابها رئاسة اللجنة المالية للنائب الزلزلة، ليُسجل حصاد الموسم باسمه، لكننا سكتنا كي لا "نطرف عيننا بأصبعنا".

 

 

كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء

يمكنك متابعة الكاتب عبر الـ RSS عن طريق الرابط على الجانب الايمن أعلى المقالات السابقة

سامي النصف

الطريق إلى غزة

ما كان للزيارة التاريخية لوفد جمعية الصحافيين الكويتية لقطاع غزة ان تتم لولا الجهد الطيب والاستثنائي لطاقم السفارة المصرية في الكويت ممثلا بالسفير الفاضل طاهر فرحات والمستشار خالد السحار، وطاقم سفارة دولة الكويت بالقاهرة ممثلا بالسفير الفاضل د.رشيد الحمد والاخوين العزيزين محمد الشرجي ويوسف اليتامى، ودعم الأخوين الفاضلين احمد يوسف بهبهاني وعبدالاله القناعي والسيد فتحي عطية مدير «مصر للطيران» في الكويت، اضافة الى الصحبة الطيبة لرفاق الدرب الاخوة والاخوات عدنان الراشد ود.عصام الفليج ومنى ششتر وبدرية درويش.

وقد بدأ طريقنا الى غزة بالمرور فوق احد معالم مصر المميزة ونعني جسر «سلام مبارك» المبني فوق قناة السويس لنبدأ بعد ذلك بدخول الجزء الآسيوي من مصر الأفريقية عبر طرق سريعة معبدة ومضاءة أوصلتنا لمدينة العريش المطلة على ساحل البحر الأبيض المتوسط والتي لم نكن نتوقع ان تكون بهذا الجمال والحداثة حيث السواحل البيضاء المغطاة بأشجار النخيل وجوز الهند والجامعات والفنادق الراقية.

وشبه جزيرة سيناء منطقة فريدة وتستحق زيارة محبي مصر حيث يحدها جنوبا البحر الأحمر وشمالا البحر المتوسط وشرقا خليج العقبة وغربا خليج وقناة السويس لذا فمناطقها الجنوبية «مشتى» والشمالية «مصيف» وما بين الاثنين من مدن هو بين بين.

وقد يكون من سوء طالع الاخوة الفلسطينيين ان الضفة والقطاع كانتا جزأين من الأردن ومصر عندما كان البلدان بعيدين كل البعد عن مشاريع التنمية والبنى الأساسية «الاقتصادية» والمعمرة، مشغولين بالمطلق بالقضايا «السياسية» المدمرة، هذه الأيام تحولت مصر والأردن الى ورش عمل آمنة تستقطب عشرات الملايين من المستثمرين والسائحين ولنا ان نتصور الفائدة التي كان سيجنيها الاخوة الفلسطينيون فيما لو كانوا لايزالون جزءا من الدولتين اللتين تحظيان بتقدير دولي في انتظار تأسيس الفلسطينيين لدولتهم المستقلة.

بدأنا منذ الصباح بدخول معبر رفح في انجاز أقرب للاعجاز، لأسباب يطول شرحها، وكان للاتصالات المتواصلة التي قام بها الأخ عدنان الراشد دور كبير في تسهيل وتذليل عملية المرور ليتم استقبالنا بشكل طيب من قبل الاخوة الفلسطينيين ولنبدأ على الفور بزيارة مستشفى الرحمة الكويتي ثم لقاء وعشاء مع د.محمود الزهار وزير الخارجية ولقاء في اليوم التالي مع د.إسماعيل هنية رئيس الوزراء ود.أحمد بحر رئيس المجلس التشريعي بالإنابة، ولهذا موضوع آخر.

آخر محطة:
 
(1): الكويت بلد صغير لذا يجب تشجيع كل امتداد كويتي غير رسمي تجاه شعوب الدول الاخرى، ومن ذلك كل التقدير للجنة الرحمة العالمية التابعة لجمعية الاصلاح الكويتية على الدور الطيب والملموس الذي تلعبه لإنشاء مؤسسات مدنية تعنى بالرعاية الصحية ومصالح الأيتام وتوفير الأمن الغذائي للشعب الفلسطيني في غزة والضفة.

(2) في ختام اللقاء مع د.إسماعيل هنية ذكر الزميل عدنان الراشد ان للوفد الكويتي طلبا «صغيرا» وهو لقاء الجندي شاليط مما فجر عاصفة من الضحك بددت الوضع المأساوي الذي يعيشه القطاع هذه الأيام.

(3) إبان سير الوفد بمحاذاة البحر مخترقين مدينة خان يونس حلقت 10 طائرات هيليكوبتر إسرائيلية فوق القطاع وبدأ الراديو ببث تحذيرات من احتمال قيام عمليات قصف وهو ما تم صباح اليوم التالي.

(4) كان الزميل د.عصام الفليج منفتحا وضاحكا مع د.الزهار خاصة بعد انتهاء العشاء وقد التقطنا صورا «فريدة» ومقربة تظهر ذلك الانفتاح الجميل، وجعل الله جميع أيام بوعبدالله سعيدة و… منفتحة!

احمد الصراف

غليون المهاجر

في ندوة بعنوان «التحولات المجتمعية وجدلية الثقافة والقيم» وردت الفقرات التالية على لسان الباحث الفرنسي برهان غليون: إن المشكلة الرئيسية التي تمنعنا من تجاوز أزماتنا تكمن في أن قادة الرأي صاروا أساسا من رجال الدين، وهؤلاء ليس لديهم معرفة حقيقية لا بالمجتمعات ولا بالسياسة، يعني لو نفتح القنوات التلفزيونية لوجدنا رجال الدين مسيطرين عليها، وعلى كل شيء آخر. وليس صحيحا أنهم أقلية. واليوم رجال الفكر ليس لديهم دور. وسلطة رجال الدين المستبدين بالرأي العام العربي الذي أصبح رهينة بيدهم، هي الأعلى، وهؤلاء من كل الأنواع والأطراف، وهناك تحالف موضوعي مصلحي بين الديكتاتوريات السياسية وبين ديكتاتوريات السلطة الدينية، وفي كل الفرق، والذين يقومون بالمستحيل لاستبعاد أصحاب الرأي الآخر، سواء من مفكرين أو مثقفين، عن طريق اتهامهم بالعلمانية والحداثة والتحرر.
وفي شريط مسجل آخر متوافر على «اليوتيوب» وردت القصة التالية على لسان رجل الدين الشيعي السيد عبدالحميد المهاجر، المعروف على نطاق واسع في الكويت والعراق ولبنان، وكان ذلك أمام جمع غفير من محبي الاستماع إليه: يقول السيد المهاجر: رأيت أحد الهنود من السيك (يقصد السيخ) يأتي إلى «حجي كاظم» البغدادي صاحب الحسينية، وكان يدير ميناء «الفاو»، مال السفن واللنجات، والقصة صارت أمامي وأقسم بذلك، وكلما أتذكرها أهتز والله من قلبي. جاء هذا السيك للحجي كاظم، ودخل وسلم عليه ووقف عند الباب، فسلمه الحجي كيسا مملوءا بالترب (جمع تربة، وهي التي يضع المصلي الشيعي جبهته عليها في السجود، وهي من تراب كربلاء)، فقلت له: يا حجي أنت أعطيته ترب الحسين؟ قال: هؤلاء عندهم سفن تضرب في اقاصي البحار فتضربهم الأمواج العاتية ويشرفون على الغرق، وعندهم شيء مجرب، وهو انهم يأخذون تربة الحسين ويرمونها في البحر، فيهدأ ويختفي الموج!
وفي حديث انتشر في الأيام الأخيرة على الإنترنت وُصف آية الله السيستاني بأوصاف عنصرية وقبيحة ومكفرة لم يتوقع الكثيرون سماعها ممن نُسبت إليه، ونحن لسنا من هؤلاء، فقد سبق أن كتبنا عن هذا الرجل أكثر من مرة. والغريب أن السيد السيستاني بالذات هو واحد من أكثر رجال الدين احتراما لنفسه ولمكانته الدينية والسياسية، غير محب للظهور، وكان له دور كبير في تهدئة كل الأطراف في العراق، وبالتالي وصفه بالزنديق والمنحرف والكافر ما كان يليق.
***
محزن جدا أن يكون قادة الرأي الذين يتحكمون بعقول مئات الآلاف، ويمتلكون أفئدة أضعافهم ويشكلون رأي من يستمع إليهم، أن يكونوا من هذه النوعية المتواضعة الفهم، الذين يقتاتون من نشر الجهل والفرقة بين أبناء المجتمع الواحد لأغراض وضيعة في أنفسهم، فمتى نعرف حقيقة هؤلاء، ونمتنع عن الاستماع إليهم، ألا تستحق هذه الأمة رجال دين أفضل من هؤلاء؟ ربما لا هو الجواب..!

أحمد الصراف

سعيد محمد سعيد

الإرهاب… واضطراب الهوية

 

من أعتى العواصف التي تعصف بالمجتمع الخليجي خصوصا والإسلامي عموما وأشدها تهديدا لاستقراره، هي تلك التي تهب بشدة، ومن دون سابق إنذار، ولربما في فترات حرجة تتطلب عقولا واعية وخطابات معتدلة، وهي عواصف يثيرها – مع شديد الأسف – ثلة من الأسماء اللامعة في الساحة الدينية من علماء وخطباء ودعاة، أوجدوا لأنفسهم مساحة للظهور المدمر، في ظل غياب علماء وخطباء يمثلون التيار الإسلامي المعتدل.

هذا الظهور العاصف والمباغت، أيا كانت مبرراته، يفتقد لحس المسئولية الشرعية والوطنية في الحفاظ على استقرار المجتمع الإسلامي، والعمل على علاج قضاياه، مهما تعقدت وتشابكت وتصادمت وخصوصا على مستوى الخلاف المذهبي، بل ويترك تبعات خطيرة تسهم في تأجيج الصراع، فتلك النوعية من الخطباء والدعاة من مثيري الفتن ومشعلي الأحقاد قد يحصلون على مكاسب وأعطيات السلطة، لكن أيديهم، بالمقابل، تتلطخ بآثام ما تخلفه خطاباتهم من نتائج تدفع إلى التقاتل والإرهاب واضطراب الهوية.

طبعا، ما يؤسف له، أن تلقى تلك الخطابات الهوجاء انتشارها السريع في المجتمعات الإسلامية، وتقسمها إلى مؤيد مستعد لدفع حياته من أجل الثبات على تأييده، ومعارض مستعد هو الآخر لدفع حياته من أجل الثبات على معارضته، ولا نجد من الخطابات المعتدلة إلا مثل همل النعم، أو ما لا يمكن أن يلقى الصدى الإيجابي المؤثر بصورة حسنة في إزالة الأفكار المتشددة.

هذه واحدة من المخاطر المدمرة للمجتمع الخليجي والإسلامي، وهي للأسف، تلقى الرضا والقبول من جانب الكثير من الحكومات مع علمها ويقينها بالتبعات الخطرة التي لن تتمكن من مواجهتها مستقبلا بعد تفاقمها! ولعلني أؤيد الطرح الذي يقدمه البروفسور والاستشاري في الطب النفسي طارق علي الحبيب الذي يرى أن هناك خطرين داهمين يهددان المجتمع الإسلامي هما: الإرهاب، واضطراب الهوية، وخصوصا بالنسبة للمجتمع الخليجي.

وتضاعف الخطابات التحريضية والفتنوية التي تصدر من دعاة وعلماء في تحطيم معاني الاعتدال والتعامل الحسن، بين الأضداد في المجتمع، وهذا الخطر لن ينحصر في الصراع بين أتباع المذاهب، فالحكومات عليها مسئولية مواجهة هذا النوع من الخطاب المدمر بدلا من تشجيعه والسكوت عليه وفقا لغايات تفرضها التحولات في المنطقة وصور الاضطراب الأمني والمواجهة العسكرية في أكثر من بؤرة.

يتوجب على أولئك الذين انحرفوا عن مسئوليتهم الدينية والوطنية والإنسانية كدعاة، حتى وإن ارتدوا لباسا عسكريا وتوجهوا إلى الجبهة لكسب صورة إعلامية، أن يدركوا بأن خطابهم هذا سينقلب عليهم! ويتوجب على كل فرد منا أن ينظر إلى مسئوليته الشخصية، لا إلى قبول الخطاب التحريضي وفقا لانتمائه المذهبي ويتحول إلى عبوة ناسفة ليست من الإسلام في شيء.