«.. ماذا تريدون.. أن أصدمكم بالواقع أم أخدعكم بالوهم؟»
(طارق حجي – «ثقافتنا بين الوهم والواقع»)
* * *
قرأت مقالا على الإنترنت لكاتب عراقي وقعه باسم مستعار، بعنوان «شكرا للمسيحيين، وشكرا للصابئة الذين لقّنونا درسا». وبالرغم من النفس الطائفي الذي اتسم به النص فإن نقاطا فيه استرعت انتباهي ودفعتني لكتابة هذا المقال. يقول الكاتب ان بيانات كثيرة صدرت من عدة كنائس في العراق في عيد الميلاد الأخير أعلنت فيها امتناعها عن إقامة الاحتفالات المعتادة لتزامنها مع ذكرى استشهاد الإمام الحسين. كما تطرق المقال الى قصيدة الشاعر العراقي عبدالرزاق عبدالواحد التي أشاد فيها بمآثر الإمام الحسين، بالرغم من أن الشاعر، المنفي قسرا عن وطنه، صابئي معروف، وكيف وصف الحسين ملهما للسيوف والسواعد والقلوب لتزهق الباطل، بينما الكثيرون، برأي الكاتب، لا يرون فيه غير ضحية نبكي عليه ونتذكر عطشه وجوعه!
كما لاحظنا بكل أسف أن إرهابيين في باكستان قاموا في الفترة نفسها بإرسال انتحاري ليفجر نفسه في يوم عاشوراء والميلاد في حسينية في باكستان ويقتل العشرات ويجرح المئات، وليتبع ذلك ما يماثله، في التوقيت نفسه، في مدن عراقية أخرى، وكان الضحايا في غالبيتهم من السنة وفي مناطق أخرى من الشيعة، كما تعرضت بعض الكنائس للحرق!
وذكرني المقال كذلك بما حاول الإرهابي النيجيري عمر عبدالمطلب الإقدام عليه، وأيضا في التوقيت نفسه، عندما قرر تفجير طائرة محملة بثلاثمائة نفس بشرية بريئة فوق مدينة شيكاغو في ليلة عيد الميلاد، وكيف أن كل تلك الأرواح وعيون الأطفال الذين كانوا من حوله ومعه لم تثنه عن فكرة الإقدام على قتلهم جميعا ومعهم آلاف آخرون ربما على الأرض، كل ذلك باسم الدين ورغبة في الهرولة للجنة، فأي بشر هؤلاء وعن أي إيمان يتكلمون..؟!
كما ذكرني المقال بحكم الإعدام الذي نفذته الحكومة الصينية، في الفترة نفسها، بمواطن بريطاني لمحاولته تهريب كمية من المخدرات إلى الصين، وكيف أن الحكومة البريطانية قدمت، على مدى أكثر من عام، 27 رجاء والتماسا وطلبا لإطلاق سراحه، أو تخفيف الحكم عنه، مراعاة لظروفه العقلية، وكيف أن العالم المسيحي الغربي، وعلى رأسه بابا الفاتيكان، وسياسيون كبار ورؤساء أحزاب فاعلة لم يترددوا في تقديم الالتماس تلو الآخر للحكومة الصينية لتخفيف الحكم عنه لأسباب إنسانية بحتة، ولا شك أن أياً من هذه الجهات التي تدخلت بكل ثقلها مع الحكومة الصينية لإخضاع المتهم «شيخ» لمحاكمة أكثر عدالة نظرا لظروفه العقلية، لم تضع في اعتبارها أنه من أصل هندي وليس أوروبيا أو أنه مسلم وليس بمسيحي، وهنا تكمن إنسانية هؤلاء وهمجية البعض منا عندما نتعمد إيقاع أقصى الخسائر وأكبر الكوارث بغيرنا في أجمل ساعات فرحهم وسعادتهم باسم التدين والرغبة في الحصول على الأجر الأكبر!
أحمد الصراف