سامي النصف

قليلاً من الرقابة كثيراً من التشريع

هناك قصة تروى في الغرب عن مواطن ألماني اتى النازيون ليأخذوا جاره الايسر فقال لهم خذوه فهو شيوعي، وفي المرة التالية اتوا ليأخذوا جاره الايمن فقال خذوه فهو يهودي، في المرة الثالثة اتوا لاخذه دون تهمة او رحمة فالتفت لجيرانه لينقذوه ويدافعوا عنه فلم يجد احدا منهم بعد ان ضحى بهم.

ما سبق هو ما قصده الرئيس جاسم الخرافي تجاه الطريقة التي تم بها التعامل مع السيد محمد الجويهل الذي لم يترك له كغيره حق التوجه لأمن الدولة بسيارته وبشكل لائق ومحترم، وفي هذا السياق التقيت يوم الخميس لدى مدير فرع البنك باليرموك بأخ قطري من اصول قبلية حضر مصادفة حادثة القبض بالمطار، وقال انها تسيء لسمعة الكويت فيما لو تم تصويرها من قبل الاجانب حيث لم يكن هناك داع ـ حسب قوله ـ لتقييد يديه وربط عينيه على الملأ مما تسبب في بكاء طفله، وكان يمكن استبدال ذلك بطريقة اكثر حضارية وانسانية ويترك للقضاء تقرير الحكم.

أبى العام الذي مضى ان يتركنا دون ان يوصل لنا اخبارا تظهر كم النزق الذي تعيشه حياتنا السياسية الملتهبة دون داع، والتي يقدّم فيها الجانب الرقابي المصطنع و«المدغدغ» على الجانب التشريعي والتنموي الذي تحتاجه البلاد بشكل ماس او.. مأساوي!

اول الاخبار التي ذكرناها سابقا تبرئة موظفي مكتب طوكيو الذي كان احد محاور استجواب وزير النفط الاسبق الشيخ علي الجراح الذي خرج مظلوما من الوزارة، الثاني دعاوى محاسبة وزير الاعلام هذه الايام على معطى عدم اغلاقه احدى المحطات في وقت نتذكر فيه اننا فرطنا في اعلامي بقامة محمد السنعوسي وخبرة نصف القرن التي يحملها كونه اغلق احدى الفضائيات (!) اي إن اغلق المسؤول المحطة تم اشعال الدنيا واشغال البلد وان لم يغلقها تشعل الدنيا ويشغل البلد كذلك.

الخبر الثالث عن اعتداء تم على احد الطلبة في احدى المدارس الحكومية ـ من تاني ـ وهو احد محاور استجواب السيدة نورية الصبيح ذات الخبرة الشديدة في قطاع التعليم العام، وقد كتبنا في حينها كيف يتم محاسبة وزير عن امور تتم بالسر في دورات المياه؟! وان تلك الانحرافات في «التربية» وغيرها من الوزارات يتم التعامل معها ضمن القوانين والانظمة المرعية دون محاسبة الوزير، هذه المرة لم يصعد احد ممن صعدوا في السابق من نواب وكتاب ـ وهو امر جيد ـ رغم تطابق الحالة لسبب بسيط هو ان المتهمين ليسوا بنغالا بل طلبة كويتيون لدى اهلهم اصوات يمنحونها او يمنعونها.

آخر محطة:
 
1 – هل ستوضع حقا كاميرات في حمامات مدارس البنين والبنات لوضع حد لتلك الاعتداءات؟! ذلك المقترح ليس حلا والقضية ترتبط بالتربية المنزلية والمدرسية وقضايا اخرى ليس منها التصعيد وتشويه سمعة المعتدى عليهم عبر فضحهم امام الملأ.

2 – نذهل ونحن نقرأ المثالب والاخطاء الكبرى في بعض التشريعات المقدمة لاقرارها من قبل البرلمان، فكيف تمر تلك المقترحات وبها تلك المثالب التي عادة ما يكتشفها كتاب او نواب سابقون او اعضاء تجمعات مدنية ..الخ، اي ماذا لو ان هؤلاء «المتطوعين» لم يكتشفوها، فهل كانت ستمر دون ان ينبه احد مسؤولي الدولة لخطورة اقرارها؟!

احمد الصراف

مقارنة صابئية مسيحية سنية شيعية

«.. ماذا تريدون.. أن أصدمكم بالواقع أم أخدعكم بالوهم؟»
(طارق حجي – «ثقافتنا بين الوهم والواقع»)
* * *
قرأت مقالا على الإنترنت لكاتب عراقي وقعه باسم مستعار، بعنوان «شكرا للمسيحيين، وشكرا للصابئة الذين لقّنونا درسا». وبالرغم من النفس الطائفي الذي اتسم به النص فإن نقاطا فيه استرعت انتباهي ودفعتني لكتابة هذا المقال. يقول الكاتب ان بيانات كثيرة صدرت من عدة كنائس في العراق في عيد الميلاد الأخير أعلنت فيها امتناعها عن إقامة الاحتفالات المعتادة لتزامنها مع ذكرى استشهاد الإمام الحسين. كما تطرق المقال الى قصيدة الشاعر العراقي عبدالرزاق عبدالواحد التي أشاد فيها بمآثر الإمام الحسين، بالرغم من أن الشاعر، المنفي قسرا عن وطنه، صابئي معروف، وكيف وصف الحسين ملهما للسيوف والسواعد والقلوب لتزهق الباطل، بينما الكثيرون، برأي الكاتب، لا يرون فيه غير ضحية نبكي عليه ونتذكر عطشه وجوعه!
كما لاحظنا بكل أسف أن إرهابيين في باكستان قاموا في الفترة نفسها بإرسال انتحاري ليفجر نفسه في يوم عاشوراء والميلاد في حسينية في باكستان ويقتل العشرات ويجرح المئات، وليتبع ذلك ما يماثله، في التوقيت نفسه، في مدن عراقية أخرى، وكان الضحايا في غالبيتهم من السنة وفي مناطق أخرى من الشيعة، كما تعرضت بعض الكنائس للحرق!
وذكرني المقال كذلك بما حاول الإرهابي النيجيري عمر عبدالمطلب الإقدام عليه، وأيضا في التوقيت نفسه، عندما قرر تفجير طائرة محملة بثلاثمائة نفس بشرية بريئة فوق مدينة شيكاغو في ليلة عيد الميلاد، وكيف أن كل تلك الأرواح وعيون الأطفال الذين كانوا من حوله ومعه لم تثنه عن فكرة الإقدام على قتلهم جميعا ومعهم آلاف آخرون ربما على الأرض، كل ذلك باسم الدين ورغبة في الهرولة للجنة، فأي بشر هؤلاء وعن أي إيمان يتكلمون..؟!
كما ذكرني المقال بحكم الإعدام الذي نفذته الحكومة الصينية، في الفترة نفسها، بمواطن بريطاني لمحاولته تهريب كمية من المخدرات إلى الصين، وكيف أن الحكومة البريطانية قدمت، على مدى أكثر من عام، 27 رجاء والتماسا وطلبا لإطلاق سراحه، أو تخفيف الحكم عنه، مراعاة لظروفه العقلية، وكيف أن العالم المسيحي الغربي، وعلى رأسه بابا الفاتيكان، وسياسيون كبار ورؤساء أحزاب فاعلة لم يترددوا في تقديم الالتماس تلو الآخر للحكومة الصينية لتخفيف الحكم عنه لأسباب إنسانية بحتة، ولا شك أن أياً من هذه الجهات التي تدخلت بكل ثقلها مع الحكومة الصينية لإخضاع المتهم «شيخ» لمحاكمة أكثر عدالة نظرا لظروفه العقلية، لم تضع في اعتبارها أنه من أصل هندي وليس أوروبيا أو أنه مسلم وليس بمسيحي، وهنا تكمن إنسانية هؤلاء وهمجية البعض منا عندما نتعمد إيقاع أقصى الخسائر وأكبر الكوارث بغيرنا في أجمل ساعات فرحهم وسعادتهم باسم التدين والرغبة في الحصول على الأجر الأكبر!

أحمد الصراف

سعيد محمد سعيد

ما رأيكم لو نسينا الماضي؟

 

لم يتأخر عن الاعتراف بالكثير من الأخطاء والحماقات التي ارتكبها، لكنه كان سعيدا في الوقت ذاته، حيث شعر براحة كبيرة تملأ صدره وهو يتكلم بهدوء تارة، وبحماس تارة أخرى، وبعصبية مفتعلة تارات أخرى مع زوجته في جلسة قصيرة في اليوم الأول من العام الجديد.

قال لها :»يا زوجتي العزيزة، ها نحن نعيش اليوم الأول من عام جديد، وكم هو جميل أن نتصارح ونتحدث ونظهر ما تجيش به صدورنا… ترى، كم من البشر اليوم يصلون ركعتين حمدا وشكرا لله على نعمته الكبيرة بأن أطال أعمارهم ليعيشوا عاما جديدا؟ لا شك أنهم قلة، لنكن منهم؟ ترى، كم من الأزواج والزوجات جلسوا في لقاء صريح ليعيدوا حساباتهم وينظروا فيما مضى من الأعوام؟ يعترفون بالأخطاء ويعتذرون ويقررون بدء صفحة جديدة؟ لنكن منهم يا عزيزتي؟».

قالت وهي تحاول إخفاء دمعة ترقرقت في عينيها :»هو عام جديد دون شك… وكل يوم يمر على الإنسان وهو في خير وعافية هو عيد وحياة جديدة…اللهم لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك… اللهم لك الحمد… كم هي الآلام والأوجاع التي مررنا بها معا… كم تخاصمنا وتزاعلنا ثم عدنا تجمعنا الابتسامة ويظللنا بيتنا الصغير الجميل… ودفء أطفالنا… أنا أيضا يا عزيزي أريده عاما جديدا مليئا بالهدوء والسكينة، لكن، ما كل ما يتمنى المرء يدركه».

قال وقد بانت دلائل التفاؤل على وجهه وفي نبرات صوته :»البيوت أسرار… هكذا هي الحياة… لكن، اذا كان الكثير من الأزواج يعيشون المشاكل تلو الأخرى، وتتحول حياتهم الى جحيم لا يطاق، وتضطرب علاقاتهم ويتأثر حال الأسرة، ويحزن الأطفال الصغار ويصابون بمشاكل نفسية، وفي الوقت ذاته لا يريدون أن يجلسوا ويتفاهموا لوضع حد لذلك الاضطراب المؤذي، فلا يجب أن نكون مثلهم… في مقدورنا أن نفتح صفحة جديدة… لن تكون كل أيام العام حلوة بمذاق العسل، ولكننا سنعيش الأيام الحلوة، وسنصبر على الأيام المرة… لكنني لا أريد أن أغادر المنزل في الصباح مهموما كئيبا، وأكره العودة اليه ظهرا، ولا أرغب في أن أراك متضايقة وزعلانة، ولا اقوى على قراءة الشقاء والألم في وجوه أطفالي… لعنة الله على الشيطان… صدقيني، ما دمنا نتعوذ من الشيطان دائما ونتبعه دائما فلا فائدة… لنتعلم أن نتعوذ منه بقوة، ونصده بقوة حتى لا يعيث الفساد في بيتنا… هذه طليعة أيام العام الجديد، فما رأيك لو نسينا الماضي؟».

ابتسمت وقالت :» كل الصواب ما قلت يا زوجي العزيز… فلنبدأ صفحة جديدة في عام جديد، نكتب مع أطفالنا فيها حروف البسملة، وننسى أوجاع الماضي وخلافات الأيام الغابرة، ونعيش… نعيش»