اليوم: 31 ديسمبر، 2009
عقليات الدعاة والمبشرين
من الظواهر الغريبة التي لا تصعب ملاحظتها أن غالبية المتشددين من الدعاة والمبشرين الدينيين، من مسلمين ومسيحيين، المعنيين أكثر من غيرهم بــ«هداية وتبشير» غير المنتمين لديانتيهم، جهلهم بالكثير من حقائق الحياة التي لو علموا بها لكانت البشرية في حال أفضل، ولكان السلام أعم وأشمل. ومن هذه الحقائق أن سكان الكرة الأرضية، الذين وصل عددهم لأكثر من 6.8 مليارات، يتبعون عشرات آلاف الأديان والمذاهب واللغات والثقافات، وهم غالبا راضون بايمانهم ومعتقداتهم سعداء بعاداتهم وتقاليدهم. وربما لا يعلم غالبية هؤلاء الدعاة أن الأرض مثلا تزيد مساحتها على 510 ملايين كيلومتر مربع، منها 18 ألفا للكويت، وأنها تبعد عن الشمس، في أقصى نقطة، أكثر من 152 مليون كيلومتر، وأن الأرض وجدت قبل 4.54 مليارات سنة، وظهرت الحياة عليها بعد مليار عام، ومن المتوقع أن تنتهي الحياة على الكرة الأرضية، بتأثير من الشمس، خلال 1.5 مليار سنة، وأن سنة الأرض تبلغ بالضبط 365.256366 يوما. وأن في الصين مليارا و300 مليون نسمة، غالبيتهم العظمى على غير استعداد لتغيير قشة في نمط حياتهم، دع عنك تغيير معتقداتهم، فهكذا كانوا لستة آلاف سنة، وهكذا سيبقون رضي الدعاة والمبشرون أم رفضوا. كما أن تفاوت أطوال الليل والنهار وتفاوت درجات حرارة الأرض التي تبلغ في أدنى درجاتها 98 بالناقص وترتفع لما فوق 57 مئوية بقليل تجعل من الصعب، ان لم يكن من المستحيل، أن نسيّر البشر على نمط ونظام واحد، مهما اعتقدنا بصحته. وما زال بين هؤلاء الدعاة من لا يود أن يصدق أن الأرض تدور حول الشمس وحول نفسها، وليس كما ورد في بعض الكتب الدينية من أن الأرض ثابتة وبغير ذلك سيختلط على المسلمين مثلا اتجاه الكعبة خلال اليوم الواحد عدة مرات! كما لا يعلم هؤلاء المبشرون والدعاة، الذين يستميتون لهداية بقية أهل الكرة الأرضية، بأن من المستحيل فعل ذلك، حتى لو أحببنا، وأن عدد المسلمين الحالي الذي يقل قليلا عن عدد المسيحيين لا يعني الا أن السباق على كسب المزيد من الأتباع والمهتدين لن يعني شيئا في نهاية الأمر، خاصة أن كم البسطاء والمسحوقين من البشر الذي يكسبه كل طرف الى جانبه في كل عام لن يغنيهم عن شيء ان كان لضآلة الأعداد أو تواضع المستوى العلمي والمالي والثقافي للمهتدين الجدد، وأن من الأفضل بكثير صرف كل هذا الجهد والمال على رفع مستوى المسلمين والمسيحيين ليكونوا أكثر محبة وتقاربا بعضهم لبعض، بدلا من كسب أناس جدد لكل دين، فالعالم سيكون حتما في حال أحسن لو تركنا بعضنا بعضا نعيش مع معتقداتنا ولا نسفه ونحتقر ونسخر من معتقدات الآخر! ولكن كيف يمكن اقناع تجار الدين ورجاله بمثل هذا الكلام الواضح والبسيط، وأن ليس بامكان أحد اقناع الطرف، أو الأطراف الأخرى، بأنه يمتلك الحق الأوحد والصحيح. ولو تمعنا في نتيجة عشرات مؤتمرات التقارب المسيحي والاسلامي، دع عنك بقية الديانات الأخرى، لوجدنا أن النتيجة كانت دائما صفرا. فاذا كانت هذه نتيجة عشرات اجتماعات المتعلمين والمثقفين، فما الذي سيكون عليه الوضع لو تولى الأمر السفهاء وأنصاف المتعلمين منا ومنهم، وهم ليسوا ببعيدين عن بلوغ هذا الهدف..؟!
أحمد الصراف
مأجورين
عام بعد عام، تثبت مملكة البحرين أنها الدولة الخليجية والعربية والإسلامية الوحيدة التي تتصدر قائمة الدول في اهتمامها بإحياء ذكرى عاشوراء الحسين (ع) من دون توقف منذ مئات السنين، وهذا التواصل الكريم في إحياء الذكرى المجيدة يمثل أصدق صورة لوحدة المجتمع البحريني الذي لم تتمكن حوادث تاريخية متفرقة وقعت هنا وهناك من تغييب هذه الذكرى عن الوجدان، أو عن ارتباطها الوثيق بأصالة المجتمع البحريني بكل طوائفه.
ووفقا لما نشرته “الوسط” يوم الأحد الماضي الذي صادف العاشر من المحرم، في صفحة القرية، فإن قرى البحرين عرفت المجالس الحسينية منذ قرون مضت، ويذكر الكثير من الخطباء والمؤرخين أن أهل البحرين سنة وشيعة، كانوا يمتازون بحب أهل البيت (ع)، والاشتراك في إحياء مراسم الذكرى، وكانت المجالس الحسينية قديما تقام في البيوت أو المساجد أو العرشان والغرف الخشبية، ثم تطور الوضع ليتأسس المأتم بإشراف الأوقاف، وتشير بعض المصادر الى أن أول حسينية تأسست في البحرين كانت في العام 104 هجرية لبني تميم أو زيد مناة، وآراء أخرى ذهبت الى أن جماعة يرجع نسبهم الى عبدالقيس هم من أسس أول حسينية.
موسم عاشوراء هذا العام كان متميزا بدرجة تصاعدية أعلى من السنوات السابقة، وهذا ما سيكون عليه الحال في السنوات المقبلة بعون الله، فكل الأجهزة الحكومية الخدمية، وهي تستحق كل الشكر والثناء، عملت على قدم وساق لتوفير كافة التسهيلات والمتطلبات التي أسهمت في نجاح الموسم بهدوء وبمشاركة ضخمة من المعزين، في حين لم يقتصر النشاط العاشورائي على الحسينيات والمواكب العزائية، ليتطور النشاط الثقافي من مشروعات كبيرة كمشروع (عاشوراء البحرين) بجمعية التوعية الإسلامية تحت شعار “نحو أخلاق الحسين”، ومهرجانات عاشوراء التي شهدتها مختلف القرى، ومشاركة الجمعيات واللجان كجمعية المرسم الحسيني والتصوير الضوئي ومهرجان عاشوراء الفني للفنان عباس الموسوي وغيرها الكثير مما لا يعد ولا يحصى بدءا بحملات التبرع بالدم والأنشطة الفنية والثقافية والاجتماعية انتهاء عند جمع المساعدات المالية للأسر المحتاجة.
في البحرين، تمثل ذكرى عاشوراء موسما دينيا وطنيا فريدا من نوعه، حتى لو تسابقت دول أخرى في إحياء ذكرى سيد الشهداء في نهضته الإسلامية الإنسانية العظيمة المخلدة، فسيبقى قصب السبق للبحرين، حكومة وشعبا، في تقديم نموذج رائع لتلاقي الجهود الحكومية والأهلية، وهو موسم تحرص القيادة الرشيدة على أن يحظى بكل دعم ممكن على كافة الأصعدة.
نسأل الله أن يعيد هذه الذكرى على بلادنا الغالية وعلى الأمة الإسلامية جمعاء في خير ونماء وتقدم وأمن وأمان، ونقول للجميع: مأجورين، بارك الله فيكم.