«.. لاحظت أن الدين عندهم عملية اجرائية لها خطوات محددة لا تتعدى ابداً الشكل (الخارجي) والعبادات، وبالتالي فإن هؤلاء المتدينين لا يجدون أي تناقض بين اهانة الناس ونقائهم الديني. هذا التدين الناقص، الذي يفصل العقيدة عن السلوك، ينتشر في بلادنا كالوباء. فكم شخص نلقاه اليوم نجده حريصاً للغاية على شعائر الدين ولكن ما ان نتعامل معه في الأمور المادية حتى نكتشف أن سلوكه يناقض مظهره. واننا في مصر (وجميع الدول الاسلامية) أصبحنا أكثر حرصاً على مظاهر التدين وأقل تديناً.. وكنا قبل انتشار الأفكار الوهابية أقل اهتماماً بمظاهر الدين وأكثر تديناً بالمعنى الحقيقي وأكثر عدلاً وأمانة وتسامحاً..!».
هذه فقرة من مقال نشره الروائي المصري المعروف علاء الأسواني قبل فترة قصيرة، وقد ذكرتني، فور الانتهاء من قراءتها، بقريب لي شديد التدين حريص على التمسك بكل مظاهره، وهو الذي وضع الحجاب على رأس بناته قبل بلوغهن العاشرة من العمر، والذي لم يترك مكاناً مقدساً إلا وقام بزيارته عدة مرات تقرباً لله والنبي والأئمة، ولكن مع ورعه لم يكن يستنكف عن الحديث علناً عن الرشوة وطرقها مع أي مسؤول حكومي، ان تطلب الأمر ذلك، سواء لتمرير معاملة أو للحصول على خدمة مميزة. وقد سمعته مرة ينصح والده باللجوء الى طرق محددة لتمرير معاملة مخالفة في إحدى الدوائر الحكومية، وأن عليه قول كذا وكذا للمسؤول لكي يطمئن ويوافق على تجميد الغرامة المقررة والغائها في فترة لاحقة.
هذا وغيره الكثيرون، من أمثال القرضاوي و«قمم» دينية عديدة، يذكرونني بحقيقة أن في داخل كل هؤلاء كماً هائلاً من الغضب على استعداد للانفجار في تظاهرة غاضبة ان صدرت عن أي منا ولو كلمة واحدة بحق أي رمز ديني، ولكنهم على غير استعداد لرفع إصبع واحدة في حال تعرض الحريات المدنية للأمة بأكملها للخطر، ولا تعني لهم قضايا حقوق الانسان شيئاً ولا يأبهون لموت المئات في حروب دينية عنصرية، ولا يرف جفن لمسلم ان فجّرت مساجد تخص مذهباً آخر، وهكذا، فكل هذه الأمور لا تثير غضبهم، لأن التدين الذي تعلمه هؤلاء لا يشمل الدفاع عن القيم الانسانية ولا عن الحرية، دع عنك المساواة والاخاء والعدالة للجميع، بل عما يسر خاطرهم ومعتقداتهم الدينية الضيقة، وانظر حولك فستجد الكثير من هؤلاء.
أحمد الصراف