في كربلاء، منظومة من القيم الدينية والإنسانية والفكرية والخيرية، ما يجعل الإنسان ينحني إجلالا وتقديسا لها، ولو ترسخت في نفوس بني الإسلام، وجعلوها منهجا في الحياة، لأصابوا الخير الكثير، فهي منظومة جاء بها رسول الأمة محمد (ص) الذي قال عنه تعالى: «وإنك لعلى خلق عظيم» (القلم: 4).
ولو أردنا أن ننهل من منبع كربلاء الخالدة، في العلاقة بين سيد الشهداء الإمام الحسين (ع) وأصحابه، لوجدنا كيف يتمثل الخلق النبوي العظيم في حفيد الحبيب المصطفى، ولهذا، جاء في كتاب «إبصار العين في أنصار الحسين» للمؤلف محمد السماوي، و «حياة الإمام الحسين» لباقر شريف القرشي، و «القيم الأخلاقية في النهضة الحسينية» لمحمد العذاري، محور مشترك بينهم جميعا، وهو محور العلاقة بين القائد والأتباع.
ففي كل نهضة، كما يقول العذاري، هنالك قيادة وطليعة وقاعدة ترتبط بروابط مشتركة من أهداف وبرامج ومواقف، والقيادة دائما هي القدوة التي تعكس أخلاقها على أتباعها. وفي النهضة الحسينية تجسدت الأخلاق الفاضلة في العلاقات والروابط حيث الإخاء والمحبة والتعاون والود والاحترام بين القائد وأتباعه وبين الأتباع أنفسهم، فالأتباع ارتبطوا بالقيم والمثل ثم ارتبطوا بالقائد الذي جسدها في فكره وعاطفته وسلوكه، فالأتباع يتلقون الأوامر بقبول ورضى وطمأنينة.
ومن هذه القيم كان الإمام الحسين يخاطب حامل لوائه وهو أخوه: «يا عباس اركب بنفسي أنت»، ويخاطب أتباعه قائلا: «قوموا يا كرام»، ويخاطبهم أيضا: «صبرا بني الكرام فما الموت إلا قنطرة تعبر بكم عن البؤس والضراء إلى الجنان الواسعة»، ونتيجة لهذا الترابط الروحي بين القائد والأتباع، رفض الأتباع أن يتركوا الإمام الحسين لوحده بعد أن سمح لهم بالتفرق عنه، فهذا مسلم بن عوسجة يخاطب الإمام (عليه السلام) قائلا: «أما والله لو علمت أني اقتل ثم أحيا ثم احرق ثم أحيا ثم أذر يفعل ذلك بي سبعين مرة ما فارقتك حتى ألقى حمامي دونك»، وبعد الشهادة كان الإمام (ع) يقف على جسد جون وهو عبد أسود ويدعو له: «اللهم بيَّض وجهه وطيب ريحه»، ويعتنق واضح التركي وهو يجود بنفسه واضعا خده على خده.
لقد أنكر أتباع الإمام الحسين «ع» ذواتهم وذابوا في القيادة التي جسدت المنهج الإلهي في واقعها المعايش، فلم يُبقوا لذواتهم أي شيء سوى الفوز بالسعادة الأبدية، فكان الإيثار والتفاني من أهم الخصائص التي اختصوا بها، وتنافسوا في أن يقتلوا بين يديه.
وقبل المعركة وصل بُرير رضوان الله عليه ومعه جماعة إلى النهر، فقال لهم حماته ـ بعد أن عجزوا عن قتالهم: «اشربوا هنيئا مريئا بشرط ألا يحمل أحد منكم قطرة من الماء للحسين، فكان جوابهم: «ويلكم نشرب الماء هنيئا والحسين وبنات رسول الله يموتون عطشا، لا كان ذلك أبدا».
وفي شدة العطش رفض العباس «ع» شرب الماء قبل الإمام الحسين «ع»، وارتجز يقول:
يا نفس من بعد الحسيـن هوني
وبعده لا كنت أن تكوني
هذا حسين وارد المنون
وتشربين بارد المعين
إنهم أصحاب الحسين (ع)، نفوس أبية أرادت أن تلقى الله ونبيه (ص) بعنوان الشهادة في سبيل الله