احمد الصراف

حلم دبي في ليلة صيف من عام 1954

لدي مصالح مالية متعددة في دبي، ويهمني بالتالي أن تستقر سياسيا واقتصاديا، وأن تخرج سريعا من ضائقتها المالية، ولا يعني هذا أنني مؤيد تماما لما تتبعه إدارتها من نهج تنموي متسارع معتمد بشكل متضخم على الاقتراض، كما لا يعني ذلك أن ليس من حقي الكتابة عما تعيشه دبي في هذه الأيام العصيبة من تاريخها، فلنا آراؤنا كما لنا مشاعرنا ومصالحنا.
يجب أن نقر أولا بأن كل دول منظومة التعاون الخليجي فشلت في الاستفادة من تجربة دبي من حيث الانتقال التدريجي من الدولة الريعية، المعتمدة كليا على مورد طبيعي واحد، إلى مجتمع متعدد الموارد مميز في قدرته على الاستفادة منها وتنميتها وفق نظام ضريبي متقدم، مقارنة بالآخرين الذين اكتفوا باستثمار، ما لم يتم نهبه أو تضييعه من مال، في أسهم عالمية وأرصدة مصرفية. ومع هذا لم يكن صعبا ملاحظة كم التشفي في تصريحات العديد من مسؤولي الدول الخليجية، والمعلقين الصحافيين، مما أصاب دبي من توقف اقتصادي. وربما، مع الفارق، نستطيع مقارنة نموذج دبي وفشلنا في الاقتداء به، بفشلنا في الاستفادة من التجربة الإسرائيلية التي استطاعت، بقدراتها وما منح لها من معونات، الوصول الى مستويات من التقدم الحضاري التي لا يمكن أن نبلغها، وربما سنفشل حتى في الحلم بها في القادم من القرون.
ومهما كان كم الحقد في قلوبنا على دبي، فإن من الصعب تجاهل ما استطاعت هذه الإمارة الصغيرة تحقيقه خلال أقل من نصف قرن، والانتقال من قرية صغيرة لصيد السمك والغوص على اللؤلؤ الى واحدة من أكبر المراكز التجارية والاقتصادية في العالم، بحيث أصبحت تنافس «لاس فيغاس» شهرة وصيتا. وورد في تحقيق صحفي في الـ «نيويورك تايمز» أن صعود دبي من البداية كان مرتبطا بالاستدانة من أطراف خارجية، وكانت البداية الكبيرة عندما قام حاكم دبي وقتها، الشيخ راشد المكتوم، بطلب 400 ألف جنيه استرليني من حكومة الكويت في عام 1954 لتمويل عمليات تعميق خور دبي واستصلاح أراض تجارية من حوله، والتي أصبحت مع الوقت تساوي المليارات. قد تكون دبي، وشركاتها الحكومية العملاقة، أخطأت في التوسع الضخم من خلال الاقتراض غير المدروس، ولكن لا يمكن إنكار أنها خلقت نموذجا لا يمكن التقليل من قيمته وشأنه غير المسبوقين، وأعتقد أن الشماتة بما أصيبت به من توقف قسري قد لا تطول كثيرا.
لقد كانت دبي حلما، وستبقى كذلك، ومن لا يحلم لا يستحق أن يتقدم. وحلم دبي بدأ عام 1954، بمبلغ متواضع، ولا يزال حيا يرزق.. وسيستمر.

أحمد الصراف

آخر مقالات الكاتب:

عن الكاتب

احمد الصراف

إدارة الإعمال – جامعة الدول العربية – بيروت 1974 / الدراسات المصرفية والتدريب في بنك باركليز – لندن 1968 / البنك الوطني في فيلادلفيا – فيلادلفيا 1978 / الإدارة المصرفية – كلية وارتون – فيلادلفيا 1978
email: [email protected]

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *