سامي النصف

مأساة محب الكويت الكابتن نمير الجنابي

أحد الأمور التي تستند أو تعول عليها «الكويتية» في عملية بيعها أو سد خسائرها هو تحصيل بعض أو كل الأحكام الصادرة لها على الخطوط الجوية العراقية والمقدرة بـ 1.2 مليار دولار من قبل المحاكم البريطانية، وقد سبق للعراق ان تقدم عبر الرئيس العراقي جلال الطالباني بعرض تسوية لتلك المشكلة عن طريق دفع مئات الملايين من الدولارات لإسقاط القضايا والأحكام الصادرة والقابلة للتنفيذ.

ولا يمكن الحديث عن تلك التعويضات المقدرة بالمليارات دون الحديث عن مأساة محب الكويت الكابتن العراقي نمير الجنابي الذي وقف وقبل سقوط النظام الصدامي مع «الكويتية» وساعدها بالشهادة معها أمام المحاكم البريطانية مما دفع صدام لإصدار أحكام إعدام وسجن بحقه وحق أقاربه من الدرجة الأولى.

ومع سقوط نظام صدام قام الكابتن نمير الجنابي بالبحث والوصول لقطع غيار «الكويتية» المسروقة والمنهوبة والمقدرة قيمتها بعشرات ومئات ملايين الدولارات وشحنها الى الكويت، ولم يكتف بذلك بل شحن حمولة 3 سيارات سوبربان من الوثائق التي تدين صدام تحديدا في تلك السرقات الى الكويت ومنها الى المحاكم البريطانية التي تكررت شهاداته أمامها مما كان السبب الرئيسي في إصدار الأحكام المليارية سالفة الذكر.

توظف الكابتن نمير في «الكويتية» في الكويت لمدة قصيرة واضطر للاستقالة عام 2005 بعد ان تم تهديد عائلته في العراق، ولو بقي لاضطرت الكويتية «أدبيا» لدفع الملايين لإطلاق سراح أبنائه وأقاربه ممن باتوا عرضة للاغتيال أو الاختطاف نتيجة لوقوفه مع الكويت و«الكويتية».

انتقل بعد ذلك الكابتن نمير الجنابي للعيش في إحدى الدول العربية دون مورد أو دخل بعد ان خسر راتبه التقاعدي من «العراقية» وبدل خدمة 35 عاما مما جعله يبيع خلال السنوات الماضية بيته وكل مقتنياته ولم يعد يملك «شروى نقير» لذا نرفع الأمر لأولي الأمر ونقول: هل جزاء الإحسان إلا الإحسان.

آخر محطة: اطلبوا ملفات القضية وتحققوا فإن ثبتت مواقف الرجولة والشهامة من قبل الكابتن نمير الجنابي فأنصفوه ووفروا له ولعائلته الحياة الكريمة التي يستحقها عبر منحه فرصة للعمل او غير ذلك حتى تثبت الكويت الكبيرة أنها لم تتخل قط عمن يقف معها.

احمد الصراف

حلم دبي في ليلة صيف من عام 1954

لدي مصالح مالية متعددة في دبي، ويهمني بالتالي أن تستقر سياسيا واقتصاديا، وأن تخرج سريعا من ضائقتها المالية، ولا يعني هذا أنني مؤيد تماما لما تتبعه إدارتها من نهج تنموي متسارع معتمد بشكل متضخم على الاقتراض، كما لا يعني ذلك أن ليس من حقي الكتابة عما تعيشه دبي في هذه الأيام العصيبة من تاريخها، فلنا آراؤنا كما لنا مشاعرنا ومصالحنا.
يجب أن نقر أولا بأن كل دول منظومة التعاون الخليجي فشلت في الاستفادة من تجربة دبي من حيث الانتقال التدريجي من الدولة الريعية، المعتمدة كليا على مورد طبيعي واحد، إلى مجتمع متعدد الموارد مميز في قدرته على الاستفادة منها وتنميتها وفق نظام ضريبي متقدم، مقارنة بالآخرين الذين اكتفوا باستثمار، ما لم يتم نهبه أو تضييعه من مال، في أسهم عالمية وأرصدة مصرفية. ومع هذا لم يكن صعبا ملاحظة كم التشفي في تصريحات العديد من مسؤولي الدول الخليجية، والمعلقين الصحافيين، مما أصاب دبي من توقف اقتصادي. وربما، مع الفارق، نستطيع مقارنة نموذج دبي وفشلنا في الاقتداء به، بفشلنا في الاستفادة من التجربة الإسرائيلية التي استطاعت، بقدراتها وما منح لها من معونات، الوصول الى مستويات من التقدم الحضاري التي لا يمكن أن نبلغها، وربما سنفشل حتى في الحلم بها في القادم من القرون.
ومهما كان كم الحقد في قلوبنا على دبي، فإن من الصعب تجاهل ما استطاعت هذه الإمارة الصغيرة تحقيقه خلال أقل من نصف قرن، والانتقال من قرية صغيرة لصيد السمك والغوص على اللؤلؤ الى واحدة من أكبر المراكز التجارية والاقتصادية في العالم، بحيث أصبحت تنافس «لاس فيغاس» شهرة وصيتا. وورد في تحقيق صحفي في الـ «نيويورك تايمز» أن صعود دبي من البداية كان مرتبطا بالاستدانة من أطراف خارجية، وكانت البداية الكبيرة عندما قام حاكم دبي وقتها، الشيخ راشد المكتوم، بطلب 400 ألف جنيه استرليني من حكومة الكويت في عام 1954 لتمويل عمليات تعميق خور دبي واستصلاح أراض تجارية من حوله، والتي أصبحت مع الوقت تساوي المليارات. قد تكون دبي، وشركاتها الحكومية العملاقة، أخطأت في التوسع الضخم من خلال الاقتراض غير المدروس، ولكن لا يمكن إنكار أنها خلقت نموذجا لا يمكن التقليل من قيمته وشأنه غير المسبوقين، وأعتقد أن الشماتة بما أصيبت به من توقف قسري قد لا تطول كثيرا.
لقد كانت دبي حلما، وستبقى كذلك، ومن لا يحلم لا يستحق أن يتقدم. وحلم دبي بدأ عام 1954، بمبلغ متواضع، ولا يزال حيا يرزق.. وسيستمر.

أحمد الصراف