سامي النصف

الحجي حجي وجميلة بوحيرد

في البدء أنا متفق تماما مع 93.65% مما قاله د.طارق حجي في محاضرته التاريخية (النسبة بهذا الشكل هي نصيحة علمية اخوية من الصديق د.عادل عيسى الذي يستخدمها بشكل مكثف في محاضراته لاقناع الآخرين بصحة معلوماته.. الخرطي) ويتبقى جزء صغير نتباين فيه مع الحجي طارق حجي الذي قد يكون على حق ونحن على خطأ، والله اعلم!

ولنبدأ بقضية الاختلاف الاقوى وهي رؤيته التاريخية لما حدث بداية القرن الماضي في جزيرة العرب حيث يرى وجود اختلاف لدى الادارة البريطانية ممثلة في الجنرال اللنبي في الهند ممن كان يعتقد بضرورة الترويج للدعوة الاسلامية في الجزيرة العربية عبر دعم الملك عبدالعزيز، والكولونيل لورنس في القاهرة الذي كان يؤمن بضرورة الدفع بالتوجه القومي العروبي ممثلا في الشريف حسين وثورته التي انطلقت من الحجاز، اي ان الاجندتين الاسلامية والعروبية في الجزيرة هما من اختراع الانجليز كما يرى المحاضر.

والحقيقة لم اجد معلومة او وثيقة واحدة تثبت ذلك التباين والتناقض في السياسة الانجليزية حيث ان الحقائق تثبت عكس ما ذكره الدكتور فقد كانت هناك اجندات اسلامية دعا لها الملك عبدالعزيز متوارثة عن اجداده بناة الدولة السعودية الاولى المتحالفين مع الامام محمد بن عبدالوهاب، قابلتها اجندات عروبية فرضها على الشريف حسين تنكيل جمال باشا السفاح باحرار العرب وجرائم حزب الاتحاد والترقي وما كانت تنشره صحفهم وزعاماتهم السياسية آنذاك من دعوات طورانية عنصرية تجاه شعوبنا العربية وعليه فقد كانت هناك اجندات اسلامية وقومية في الجزيرة لم «يختلقها» الانجليز بل اصطفوا مع من دعا اليها والفارق بين الاثنين كبير.

كما ارى ان هناك قصورا في التطرق لدور الحكومات الثورية «او العسكرية كما اسماها الصديق صالح السعيدي في مداخلته» في تخلفنا الشديد والدليل على ذلك سهل وبسيط عبر مقارنة تقدم وتطور الشعب الكوري الجنوبي بتخلف الشمال، او الالماني الغربي بالشرقي، ان مرحلة القمع السياسي الشديد والتأميم الاقتصادي في عواصم الحضارة العربية مثل القاهرة ودمشق وبغداد ابان «هوجة» الثورات هي السبب الرئيسي للتخلف الشديد الذي نعانيه هذه الايام.

ومما اراه سببا رئيسيا للتخلف ولم يتطرق له الدكتور المبدع طارق حجي، انشغال شعوبنا الشديد بالسياسة في مرحلة ما بعد نشوء القضية الفلسطينية عام 1948 على حساب الاقتصاد والتعليم والاهتمام بتطوير الذات واتقان العمل بعد ان سخرت موارد الامة خاصة في تلك العواصم لمتطلبات الجيوش، ومن ذلك تفرغ قمم الزعامات العربية التي تقود الشعوب منذ الاربعينيات حتى اليوم (عدا قمة الكويت) للشؤون السياسية، واختصاص الساسة بمنصب الامانة العامة للجامعة بدلا من ان يكونوا من مبدعي الاختصاصات الاخرى، كالاقتصاد والتعليم والادارة كحال طارق حجي وزويل وغازي القصيبي وعبداللطيف الحمد.

كما اتباين مع تقييم الدكتور لعلماء الحديث وثنائه على من حرص منهم على صحة المصدر مقارنة بمن خشي من ذلك الامر فضمّن مسنده كل ما تواتر من قديم، كوني اعتقد ان من ركز على المصدر او ما يسمى بالعنعنة «اي عن، عن، عن» قد تغاضى عن الاهم وهو المضمون فتم قبول روايات كما يقول العالم المجدد د.محمد الغزالي يجب عدم الدفاع عنها ما دامت تتعارض مع العلم والفطرة الانسانية وحقائق الحياة والذوق السليم كحديث الذبابة ورضاعة الكبير ..الخ.

آخر محطة:
 
1 – نحن دولة صغيرة يجب ان نحرص جميعا على كسب ود وقلوب الشعوب الاخرى ومن ذلك صحة التوجه الانساني الرائع لعلاج المصابين من الاخوة العراقيين واليمنيين في الكويت.

2 – نشرت جريدة الشروق الجزائرية التي توزع للعلم 2 مليون نسخة نداء في عدد امس من المناضلة جميلة بوحيرد تدعو فيه الى التكفل بنفقات علاجها، نرجو ان نرى في الغد رسالة عاجلة من الكويت تبدي الاستعداد لتحمل تلك النفقات.

3 – ما كان لمحاضرة د.طارق حجي ان تكون بالابهار الذي كانت عليه لولا الادارة المتميزة للندوة من قبل الزميل الاعلامي محمد القحطاني.

4 – الشكر الجزيل لوزارة الإعلام على الجهد الطيب في الاستقبال والتعامل الراقي مع ضيوف الكويت من الاعلاميين.

احمد الصراف

ما في غيرك يا هلال

بحضور 150دولة عقد في اسطنبول في أبريل الماضي مؤتمر حول المتاجرة بالأعضاء البشرية وسياحة زراعتها، وكان الجانب الأخلاقي مسيطرا على جلسات المؤتمر. فعلى الرغم من التطور الكبير الذي شهده طب زراعة الأعضاء وما نتج عنه في إطالة عمر وتحسين معيشة الكثيرين، إضافة إلى رمزيته الإنسانية، فان تجاوزات خطرة شابت الأمر من خلال المتاجرة بالأعضاء واستغلال فقر المتبرعين، الأمر الذي تطلب تدخل منظمة الصحة العالمية لإيقاف هذه الجريمة ووضع حد لها. وفي خطوة إنسانية رائعة منسجمة مع مقررات اسطنبول أمر وزير الصحة، د. هلال الساير، بإيقاف عمل لجنة التبرع بالكلى من غير الأقارب، بعد أن قام موفد منظمة الصحة العالمية وأعضاء في جمعية زراعة الأعضاء الكويتية بزيارة له لشرح أهمية التضامن العالمي في هذا الشأن.
وعلى الرغم من الحقيقة المرة المتمثلة بصعوبة القضاء نهائيا على تجارة الأعضاء البشرية، بسبب صعوبة منع من يرغب في بيع كليته مقابل مبلغ من المال من الإقدام على ذلك، إن كان يرى في ذلك إنقاذا له من الفقر والعوز، فان الحقيقة المؤلمة ان المستفيدين الحقيقيين من «كرم» المرضى المحتاجين هم الوسطاء والأطباء وليس المتبرعون، وهنا تكمن خطورة الأمر، فأحيانا كثيرة تستغل حاجة هؤلاء أو جهلهم بتبعات التبرع، او يجبرون على التبرع بأعضائهم سدادا لدين أو غير ذلك.
وهنا نتوقع من الدكتور هلال الساير كذلك التدخل لمنع وسائل الإعلام من نشر إعلانات طلب التبرع بالكلى، المغلفة بأدعية وأجر أخروي، فهذه الإعلانات غالبا ما يتلقفها السماسرة ويقومون بالاستفادة منها بترتيب سياحة زرع الأعضاء وتحقيق أرباح كبيرة من ورائها. كما نطلب منه، على ضوء النقص الكبير في عدد المتبرعين وزيادة عدد المحتاجين لأعضاء بشرية، وضع أطر وقواعد قانونية يمكن من خلالها الإشراف على عمليات التبرع بالأعضاء وحصرها في جهات محددة، والعمل بنظام الأولوية من خلال سجل وطني، ومنع التدخلات السياسية والنيابية في عملية التبرع، والاهتمام بسلامة المتبرع والمريض. كما يتطلب الأمر كذلك إقناع الجهات التشريعية بوضع القوانين المنظمة لاستئصال الأعضاء من الأحياء والمتوفين، وتحديد من هو «المتوفى»! ويتطلب الأمر فوق ذلك من الحكومة إيجاد برنامج تثقيفي وتعليمي لعامة الناس عن مزايا التبرع للغير بالأعضاء، سواء من منطلقات دينية أو إنسانية، بحيث نبلغ منتهى الرقي بالاكتفاء ذاتيا بالأعضاء البشرية.
كما أننا بحاجة الى تشريعات تمنع المتاجرة بالأعضاء او فرض التبرع على المستضعفين، من أميين ومعدمين ومهاجرين غير شرعيين وسجناء أو لاجئين سياسيين، وحتى من المحكومين بالإعدام، والذين ثبت خضوعهم في بعض الدول لبرامج إعدام مرتبة حسب الحاجة لأعضائهم البشرية.
هذا ما نحتاجه من قوانين ونظم حضارية من حكومتنا وبرلمانيينا، وليس الانشغال غالبا بسخافات الأمور، كما هي الحال الآن.

أحمد الصراف