قد لا أتفق تماما مع المدون البحريني الصديق خالد قمبر فيما كتبه في مدونته تحت عنوان: «مازال الفساد… منتشرا بين العباد»، خصوصا في قوله إن قضايا الفساد الإداري والمالي أصبحت اليوم من الأعراف، ومن السمات في مجتمعنا الصغير، لكنني، وهو – أي قمبر – والكثيرين غيرنا، لا نستطيع أن نغمض أعيننا أو نكذب ملفات الفساد الحقيقية التي لم تعد خافية، ولا نستطيع أن ننكر وجود قضايا فساد نظرتها وتنظرها المحاكم، لكن من المؤلم أن نعتبرها أعرافا وسمات.
شعار اليوم العالمي لمكافحة الفساد، الذي يصادف يوم التاسع من ديسمبر/ كانون الأول هو: «لا تتركوا الفساد يقتل التنمية»، وقد لفتت نظري عبارة وردت في كلمة الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون حين قال: «الفساد ليس نوعا من القوة الهائلة المجردة. بل إنه يحدث نتيجة لقرارات شخصية، يدفعها الجشع في معظم الأحيان»، لكنني، ووفقا لفهمي المتواضع، أجد حقيقتين ساطعتين، الأولى هي أن الفساد، في الدول النامية وفي مقدمتها الدول العربية، هو الفيروس الأخطر الذي يفتك بالتنمية ويدمر العدالة الاجتماعية ويؤدي إلى اضطراب المجتمعات، أما الحقيقة الثانية، وهي الأوجع، هي أن معظم الحكومات تدري وتعلم وتندد وتهدد بأن تضرب بيد من حديد على أيدي المفسدين، لكنها في النهاية، تتستر عليهم وربما كافأتهم نظير أعمالهم الوطنية الجبارة!
قد أكون مخطئا في استنباط تلك النتيجة، لكن وفقا للتقرير الدولي للفساد 2009 الصادر عن منظمة الشفافية العالمية واستطلاعه الذي شارك فيه 73 ألف شخص من 69 دولة، أجاب 93 في المئة منهم أن أسباب الفساد في القطاعات والخدمات الحكومية هو غياب العقوبات، فيما رأى 84 في المئة أن السبب هو الرغبة في الحصول على الثروة الشخصية، وأشار 78 في المئة من العينة إلى أن السبب هو سوء استغلال السلطة، ورأى 66 في المئة أن السبب هو عدم وجود معايير واضحة للسلوك، واعتبر 75 في المئة أن السبب هو ضغوط من المديرين أو أشخاص في مراكز عليا، أما ما نسبته 81 في المئة من العينة فقد أشارت إلى أن السبب هو انعدام الشفافية.
هي خطوة مهمة تلك التي أعلنها معالي وزير الداخلية الفريق الركن الشيخ راشد بن عبدالله آل خليفة عن استحداث شعبة في الإدارة العامة للمباحث والأدلة الجنائية مهمتها مكافحة الفساد باتباع الوسائل القانونية في الكشف والمتابعة، وتقديم المتورطين في حالات الفساد إلى العدالة والإعلان عن تخصيص خط ساخن لتلقي الشكاوى والملاحظات المتعلقة بحالات الفساد لمتابعتها والتأكد من حدوثها واتخاذ الإجراءات المناسبة بصددها.
سيواصل المفسدون (فسادهم)غير آبهين بالقوانين، وسيتستر عليهم آخرون! لكن عليهم أن يضعوا كلام الوزير نصب أعينهم من أن انتشار ظاهرة الفساد من شأنها خلق المزيد من الإرباكات في الخطط الوطنية للتطوير والتحديث، وزيادة معدلات التضخم والإضرار بمبادئ العدالة والنزاهة والشفافية فيما يخص استغلال الطاقات البشرية والإمكانات المادية.