سامي النصف

الحاشية الانتهازية وتدمير الملكية المصرية

اجرت معي صحيفة «ايلاف» واسعة الانتشار لقاء قبل مدة قصيرة اعدت فيه طرح مقترح عودة الملكية لمصر كوسيلة لاستقرار مصر السياسي والاقتصادي في مرحلة ما بعد عام 2011، ومن ثم استقرار وطننا العربي الكبير الذي تمثل مصر فيه مكانة القلب من الجسد، وهو ما يطرح سؤالا تاريخيا مهما حول كيفية سقوط الملكية في مصر التي استمرت لاكثر من 5 آلاف عام، وهل تستحق اي حاشية ان يضحى بالممالك والاوطان لاجل اسعادها وهي التي تخفي ما تبطن ولا تهتم الا بنفسها وسمعتها كما حدث في مصر الملكية؟

استُقبل الملك فاروق عام 1937 لدى وصوله من انجلترا بعد وفاة والده الملك فؤاد بشكل اسطوري لا مثيل له، حيث اصطف الشعب المصري بأكمله على طريق الاسكندرية ـ القاهرة مبديا حبه ووده للملك الشاب، وكان يفترض ان يستمر حكم اسرة محمد علي متصلا حتى هذه الايام ممثلا بابناء واحفاد الملك فاروق لولا الادوار السيئة والخطيرة لبعض المقربين منه ممن يصح تسميتهم بـ «البرامكة الجدد».

اول البرامكة او رجال الحاشية الذي ساهم في تدمير الحكم والملكية وتغيير صورة الملك لدى الناس هو احمد حسنين باشا اقرب المقربين له والذي ساهم بشكل فاعل في خلق حالة شقاق وافتراق بين الملك فاروق وافراد عائلته، فدس بينه وبين ولي عهده الامير محمد علي حتى عزله، ثم عمل على افساد وفضح عائلته المباشرة امام الناس والشعب، ويرى مؤرخ مصر العظيم د.عبدالعظيم رمضان ان الملكية كانت ستبقى قائمة لو قام الملك بالاستماع لنصح الزعيم عزيز باشا المصري وعزل حسنين باشا قبل ان يتسبب في النهاية بانهيار النظام.

ثاني البرامكة هو السياسي المخادع المتدثر برداء الوطنية علي ماهر باشا الذي حرضه ـ ولم يمض عليه الا 3 اشهر في الحكم ـ على عمل غير مسبوق في التاريخ السياسي المصري، وهو «اقالة» الزعيم الشعبي مصطفى النحاس فخسر بالتبعية تأييد الشعب المحب لذلك الزعيم، كما شجعه فيما بعد على تأييد دول المحور في الحرب الكونية الثانية مما خسره تأييد دول الغرب الحليفة له واضطر بريطانيا العظمى لارسال الدبابات لقصره لارغامه على تعيين مصطفى النحاس رئيسا للوزراء في حادثة فبراير 1942 الشهيرة.

الثالث هو بوللي ذو الاصول الايطالية المكروه بشدة من كل الناس، حيث كان يمارس مهنة رذيلة متممة لاقدم المهن في التاريخ، وكان يدعي في الاماكن العامة وبكل وقاحة انه يدخل الى غرفة نوم الملك ليأخذ الاوامر مباشرة منه ثم امتد نفوذه واصبح يمارس تجارة السلاح والتوريد للبلاط الملكي، وبسببه خسر الملك فاروق تأييد حزبي الاحرار الدستوريين والسعديين على معطى تقرير الرقابة الادارية ضد صفقات بوللي والمستشار الاقتصادي السياسي اندراوس التي عقدت في باريس، مما ساهم بحالة عدم الاستقرار السياسي الشديد في فترة يناير ـ يوليو 1952 التي تشكلت خلالها 6 وزارات (حكومات النحاس، علي ماهر (1)، نجيب الهلالي (1)، حسين سري، الهلالي (2)، علي ماهر (2) الذي عين بعد انقلاب الجيش).

البرمكي الرابع هو كريم ثابت الذي استغل صداقته مع الملك لاستخدام قربه منه للسرقات والتجاوزات التي ازكمت الأنوف وأثارت غضب الناس حتى انه قام بسرقة الاموال الخيرية المخصصة لمستشفى المواساة ليبني بها شاليهه الخاص، وفيما بعد وضمن محاضر محكمة الثورة التي عقدت في اكتوبر 1953 لم يتعرض احد من رجال ساسة العهد الملكي الذين عاداهم الملك فاروق (الوفد، الاحرار الدستوريين، السعديين) بكلمة واحدة مسيئة للملك بينما تطوع الوضيع كريم ثابت بالحديث المسيء لاسابيع عدة لانقاذ نفسه عبر تشويه سمعة الملك، وهذه هي النهاية الطبيعية لاحاطة النفس بأرذال القوم بدلا من كرامهم واشرافهم.

آخر محطة:
 
1 – العزاء الحار للزميل العزيز فيصل الزامل بوفاة والده، لفقيد الكويت الرحمة والمغفرة ولأهله وذويه الصبر والسلوان، انا لله وانا اليه راجعون.

2 – انتقلت الى رحمة الله قبل ايام الاميرة فريال آخر بنات الملك فاروق، وقد اعادت قناة «اوربت» بالمناسبة لقاءها المطول مع الاعلامي عمرو اديب ومما قالته نصا في ختام اللقاء كإجابة عن سؤاله عن السبب الرئيسي لسقوط الملكية في مصر «ان السبب الوحيد هو الحاشية الانتهازية التي احاطت بالملك والتي لو تخلص منها لكانت الملكية قائمة حتى اليوم».

احمد الصراف

محمد الجاسم وشيكات الرئيس

قلة فقط يمكنها القول ان لا مشاعر مختلطة تتنازعها ذات اليمين وذات الشمال في موضوع استجواب سمو رئيس مجلس الوزراء. وقد تكون غالبية هؤلاء، ولاي طرف انتموا، من الواهمين في مواقفهم، أو المنحازين لهذه الجهة أو تلك لسبب أو لآخر أو لمصلحة ما. والشيء ذاته يمكن قوله في موضوع حجز حرية السيد محمد عبدالقادر الجاسم وإطلاق سراحه، وأيضا في ما يتعلق بمجمل مواقفه. فمنذ كان السيد محمد الجاسم رئيسا لتحرير صحيفة الوطن وحتى خروجه منها، والبدء بكتابة مقالاته وتحديد مواقفه السياسية الجديدة من قضايا المجتمع، وحتى ساعة اعتقاله لدى السلطات الأمنية المسؤولة عن الجنايات، ومشاعر عدة مختلطة ومتضاربة تنتابني، ولا تزال، بخصوص تحديد موقفي منه. فمن جهة لا أملك الا التعاطف معه في البعض من أقواله، وهذا ما دفعني لأكون في الصفوف الأمامية في ندوة عقدت للتضامن معه اثناء فترة حجزه في المباحث «الجنائية». ومن جهة اخرى، لا استطيع بسهولة تجاوز سابق مواقفه وآرائه عندما كان رئيسا لتحرير «الوطن»، من القضايا نفسها التي يستميت الآن في الدفاع عنها، فعلى أي الموقفين يجب أن أبني موقفي منه؟
لا اعتقد، من خلال ما اعرف عنه، وعن سابق ولاحق طموحاته السياسية، انه كان سيقف معي أو مع غيري، أيا كان، لو تعرضنا لمثل ما تعرض له! أقول ذلك بسبب ما وصلني من انتقاد من البعض لحضوري جانبا من ندوة التأييد تلك، فقد كنت أجلس على مقعد وأنا على ثقة بانه لم يكن ليجلس عليه لو كنت انا في مكانه، فلم يعرف عن السيد الجاسم ذلك التعاطف الجم مع الغير، والمودة مع أصحاب القلم أو حتى مع هواة الكتابة اليومية، ولو أننا لا نستطيع أن ننكر عليه صدق مواقفه الحالية، فنحن لا نعرف حقيقة سرائره ولا حقيقة منطلقاته وطموحاته السياسية، بالرغم من انه أظهر تلك الطموحات بجلاء أكثر من مرة من خلال ترشحه لانتخابات مجلس الأمة.
نعم، نحن مع الجاسم من منطلق إيماننا بحرية الرأي وليس من منطلقات شخصية، فليس في قلبنا حقد ولا ضغينة عليه لنطالب باستمرار مضايقته، أو النيل من حريته وحجب موقعه الإلكتروني، فقضايا الحرية لا تتجزأ. وربما من المفيد أن نتعلم من قصة الجاسم اننا عندما نرتفع في الأهمية والثراء والمنصب فإننا يجب ألا ننسى من نمر بهم في طريقها، فقد نحتاج اليهم عندما نبدأ بالسقوط، وهو أمر وارد دائما! ولهذا لم يكن مستغربا ملاحظة عدم اكتراث، وربما تشفّي، جهات عدة، كان ولا يزال لها دور كبير في قضايا الحرية، عدم اكتراثها بقضية الجاسم أو حتى مجرد محاولة التعليق عليها، وكأن الأمر لا يعنيهم، وليس من السهل لوم هذه الجهات على مواقفها، فلا تزال الحقيقة.. غائبة!
أحمد الصراف
[email protected]