سامي النصف

الثقوب الاقتصادية السوداء القادمة

تحدثت ذات مرة مع مستشار اقتصادي كويتي حول ما يجري في احدى امارات الخليج موضحا النهاية الكوارثية التي تتجه إليها، حيث ستبلغ الفقاعة العقارية مداها نظرا لعدم منطقية بناء اكبر المولات والمطارات والمباني في بلد لا يزيد عدد سكانه عن المليون نسمة، ما ان انتهيت من الحديث حتى عقّب بالقول «مثلي الاعلى هي تلك الامارة وليتنا نصل الى عشر ما عملته».. ولا حول ولا قوة الا بالله.

لا أعلم لماذا سمحنا للامانة العامة للجامعة العربية بمحاولة افشال أول قمة اقتصادية عربية وجعل قراراتها كحال قرارات القمم السياسية أي حبر على ورق، وذلك عبر تقديم مشاريع «وهمية» لا يمكن انجازها كحال انشاء سكك حديدية تربط الخليج بنواكشوط الموريتانية وشمال العراق بجنوب الصومال! الآن وبعد مرور عام على القمة هل تم انجاز متر واحد من مشاريع السكة الحديدية التي يفترض ان يتجاوز طولها 45 ألف كم؟ وهل خصص دولار واحد لمثل تلك المشاريع؟ ألم يكن من الافضل ان نطلب منهم استبدال ذلك «الوهم» بالربط البري «الواقعي» وعبر تحسين كل دولة عربية لشبكة الطرق التي تربطها بالبلد العربي المجاور؟!

وما دمنا في الامانة العامة للجامعة العربية، فهناك أزمة كبرى بين اكبر دولتين عربيتين هما مصر والجزائر، وهناك حرب دامية تشارك فيها قوات دول عربية كبرى كالسعودية واليمن، وهناك إشكال سياسي ضخم في دولة بحجم العراق ومثله اشكال اقتصادي في دبي بدأ يؤثر على العالم أجمع، فهل سمع أحد بتحرك للامانة لحل تلك الاشكالات أو لتخفيف حدتها وضررها؟ اصبح لدينا يقين بأن الامانة العامة تسعد بالجلوس متفرجة على تلك الكوارث متمنية المزيد منها!

هناك مشاريع ثقوب اقتصادية سوداء ستجتاح المنطقة العربية الممتدة من الخليج الى المحيط ستكون محاورها سقوط وإفلاس دول وشركات وبنوك ومشاريع ورجال اعمال من العيار الثقيل، وسيفقد العرب بالتبعية سلاح المال الذي ضيعوه بسبب فقدان الحكمة والتخطيط طويل المدى والتركيز على قضايا البهرجة والمظاهر، وقى الله الجميع شر تلك الثقوب التي بدأت سحبها الداكنة تظهر في أفق الخليج مهددة بسقوط امطار خراب ودمار لا تبقي ولا تذر.

آخر محطة:
 
(1) نرجو أن يكون أساس التنمية في البلد هو صرف الاموال على مشاريع تأتي بالاموال التي قد يشهد المستقبل شحا شديدا فيها بسبب انخفاض حاد في اسعار النفط.. فالحكمة الحكمة.

(2) يجب ان نعلم في المرحلة الحرجة المقبلة ان الذكاء والمعرفة والحكمة الموجودة لدى بعض كبار السن اكثر كفاءة وقدرة على التنبؤ المستقبلي للاحداث من بعض اصحاب الشهادات التخصصية الكبرى التي يمكن ان تباع وتشترى و… بأبخس الاثمان!

احمد الصراف

بعد 60 سنة أنا نباتي

منذ انغماسي في قضايا تطوير الذات، وأنا أبتعد أكثر فأكثر عن تناول اللحوم. وعلى الرغم من أن التوقف عن عادة عمرها أكثر من 60 عاما ليس بالأمر السهل، أو هكذا كنت أتخيل، فإن الأمر لم يكن بكل تلك الصعوبة، ربما لأنه جاء لأسباب منطقية، ومن منطلقات إنسانية أكثر منها صحية أو مادية. ومعروف ان النباتيين هم أولئك الذين لا يتناولون أي نوع من اللحوم والأسماك، وأحيانا كثيرة يمتنعون عن تناول أشياء مثل البصل والثوم والبهارات الحارة، إضافة بالطبع الى المشروبات الكحولية والسجائر، وهؤلاء النباتيون أعدادهم في ازدياد مستمر. ولو نظرنا الى غالبية الأمراض والأوبئة العصرية التي أصابت البشر والشجر والمواشي لوجدنا ان الحيوان هو المصدر الأساسي لغالبية تلك الأوبئة. وقد ورد في خبر لقناة السي.إن.إن (CNN) أن الكاتب الأميركي جوناثان فوير يستعد لإصدار كتاب يبين فيه أن اقبال البشر الشره على تناول لحوم الحيوانات هو السبب الرئيسي للأمراض الجديدة التي تظهر بين الفينة والأخرى، كما أن هذا الإقبال الكبير مسؤول كذلك عن ظاهرة الاحتباس الحراري، وما تظهره البكتيريا والجراثيم من مقاومة شرسة للأدوية والمضادات الحيوية.
كما أن الاعتماد المكثف على تناول اللحوم قد أثر في البيئة، ودفع الإنسان الى خلق سلالات حيوانية ضعيفة بغية انتاج أكبر كمية من اللحوم، منها عن طريق التوالد المفرط في الحظائر. وقال الكاتب فوير لـ CNN، انه اهتم بكتابة ابحاثة عن أنظمة الغذاء لدى البشر، بعدما رُزق بطفل، فبدأ يفكر في مدى ثقل المسؤولية الملقاة على عاتقه لجهة اختيار نوعية الطعام الصحي الذي يجب أن يقدمه لطفله. وقال إن تقارير الأمم المتحدة تعتبر تربية قطعان الماشية هي المساهم الأكبر في اصدار الغازات المسببة للاحتباس الحراري، حيث تنتج الحيوانات التي تربى لأجل لحومها غازات تفوق ما تنتجه جميع وسائل النقل الموجودة على كوكب الارض مجتمعة. ووفق أبحاثه، فإن المشاكل تتواصل وتتزايد مع تخزين اللحوم بالأساليب المعتمدة في المصنع حاليا، حيث تتكاثر فيها الفطريات الضارة، ما يسبب حالات شبيهة بالإنفلونزا تستمر لمدة 24 ساعة تقريبا، تنتهي بإسهال يرتاح المريض من بعده، مشيرا الى ان هذه الحالات، التي يعتقد الناس انها إنفلونزا تصيب 76 مليون شخص سنويا في اميركا وحدها، واضاف ان تربية الحيوانات في المزارع تتم بصورة لا تنسجم مع المعايير الصحية، كما ان الامراض بين القطعان باتت محتمة بسبب التوالد المكثف من ماشية تتصل ببعضها بصلات قرابة، وقال ان ذلك دفع المزارعين الى معالجة الوضع عن طريق تقديم المضادات الحيوية بكثافة اكبر للماشية مع الوجبات، حتى وان لم تكن تظهر عليها آثار المرض، وقد ادى ذلك الى حقيقة ان الماشية أصبحت تستهلك 18 مليون رطل من المضادات الحيوية سنويا، والدواجن ما يقارب 25 ألف رطل، اما البشر فيستهلكون ثلاثة ملايين رطل فقط! ويقول فوير ان الاستعمال المفرط للمضادات الحيوية ادى الى ظهور فصائل من البكتيريا والجراثيم التي تتمتع بمناعة ضد هذه العقاقير، بدليل ان مقاومتها لكل دواء كانت تزداد بمجرد تقديمه للماشية، ففي عام 2002 قدم مربو الماشية عقار سيبرو للابقار والدواجن، وكانت النتيجة ارتفاع مقاومته لدى البشر من صفر الى 18 في المائة.
ويضيف فوير ان البشر هم الذين يمولون هذه الامور من خلال استمرار اقبالهم على تناول اللحوم، ما يجعلهم اكثر عرضة للامراض التي تظهر بشكل وبائي، مثل انفلونزا الخنازير والطيور.
وذكر ان هذه الاستنتاجات سبق ان تبنتها مؤتمرات علمية، بينها مؤتمر عقد عام 2004، وضم منظمات الاغذية في الولايات المتحدة والامم المتحدة والمنظمة الدولية للصحة البيطرية في اعقاب ظهور مرض انفلونزا الطيور، والذي اشار بيانه الختامي الى ان «تزايد الاقبال على المنتجات والبروتينات الحيوانية» من بين اسباب ظهور هذه الاوبئة، ويعتقد فوير ان المزارع الاميركية هي المكان الوحيد الذي يمكن ان تظهر فيه فيروسات حديثة تجمع خصائص امراض تصيب البشر والحيوانات والطيور في آن واحد، مثل انفلونزا الخنازير، مضيفا ان العلماء تمكنوا من اكتشاف ان المزارع في الولايات المتحدة تحتوي على آثار لستة اوبئة من اصل ثمانية ضربت العالم في السنوات الاخيرة.
والآن، هل انت على استعداد لان تكون نباتيا مثلي، او على الأقل مستهلكا اقل للحوم؟ ان مصير البشرية هو في يد كل واحد منا!

أحمد الصراف
[email protected]