محمد الوشيحي



بالمقلوب


إذا احتل الجهل مساحات مخك، فستنقلب عندك الموازين، وسترى صغائر الأمور بحجم الأفيال الهندية، والكبائر بحجم أجنحة البعوض.

وهذه الأيام، امتلأ بريدي الإلكتروني برسالة مصورة لأحد المسؤولين وهو يلعب القمار خارج الكويت، بعث بها إليّ أكثر من شخص مجهول، وجاء تحت إحدى الصور «تكفا، احرق هذا المسؤول المستهتر». ولا أدري على أي أساس أطلقوا عليه صفة الاستهتار؟ فإذا كان الرجل في إجازته الخاصة، ووقته الخاص، ويلعب بأمواله الخاصة، فما الذي يعنينا في الأمر؟ هو حر. ثم إن الحديث عن الخصوصيات من عادات وتقاليد راقصات الملاهي: هذه فخذها مكشوفة، وهذه يعشقها الوزير الفلاني. وأنا للأسف لا أجيد الرقص ولا أحب الراقصات.

وللعلم، كثير من كبار الساسة مقامرون. سعد زغلول بجلالة قدره السياسي كان أحد أكبر المقامرين في مصر، وله حكايات وطرائف لا تنتهي على طاولات القمار. ومع ذا، لم يتخلّ عنه أنصاره ومؤيدوه، ولم يعيبوا عليه ذلك.

وكنت أنا – بجلالة قدري أيضاً – مشروع مقامر، وكنت أحصل من والدي، رحمه الله، على ربع دينار جائزة عن كل صفحة من القرآن أحفظها وأسمّعها، ولأنني سريع الحفظ سريع النسيان، فقد استوليت على ثروة الوالد كلها قبل إخوتي، فحفظت أربعة عشر جزءاً من القرآن وأنا في ريعان الصبا وطيشان الهوى، وصرت إمبراطوراً يشار إلي بشتائم الحقد من أقراني وجيراني، وطمعت، وقررت أن أقتحم الأسواق العالمية، وأن أحقق ما حققه صالح اليمني فأمتلك بقالة تبيع الكولا والكاكاو، وسأبيع بنصف السعر، وسأمسح اسم صالح من السوق.

وتوجهت إلى أحد مراهقي المنطقة المقامرين، كان عمري نحو اثني عشر عاماً وهو يكبرني بخمس سنوات أو أكثر، فشفط ثروتي شفطاً مبيناً، فضاقت بي الوسيعة، وتعومست، وهربت بما تبقى لدي، وقررت أن أفعل مثله، لكن بطريقة مبتكرة، فأحضرت سبع قصاصات ورقية، كتبت في أولاها «مبروك فزت بخمسة دنانير»، وفي الثانية «مبروك فزت بدينار»، وفي الثالثة «خيرها بغيرها»، وفي الرابعة «رحت فيها» وفي الخامسة «أشطفت»، وفي السادسة «الله يعوض علينا وعليك» وفي السابعة «كرر المحاولة وابشر بالخير»… أو شيء مثل هذا.

طويت القصاصات واستقبلت أول زبون، صبي مورّد الخدين، شكله يوحي أنه أهبل من حيث لا يحتسب، فجلسَ والخوف بعينيه ودفع الرسوم، ربع دينار، واختار ورقة وفتحها فكانت الكارثة «مبروك فزت بدينار»، فأعطيته الدينار مغلفاً بدعوة مباركة «الله لا يوفقك»، واستطيبَ اللعبة فكررها، وسحب الورقة الثانية وكشفها وإذا هي «مبروك فزت بخمسة دنانير»، فدارت بي الأرض ومارت، وشعرت بضيق تنفس وغيبوبة، ونزلت دمعتي لا شعورياً، فلطمته، فلطمني، فلطمته فلطمني، فأشحت بوجهي عنه وتنفست بعمق، فأشاح بوجهه عني وتنفس بعمق، فزفرت: «لا حول ولا قوة إلا بالله»، فزفر: «لا حول ولا قوة إلا بالله أنت»، فرفسته فرفسني، فاستأذنته: خذ ربع دينارك وحل عني، يا معوّد أنت تفلّس بنوك وشركات، مع السلامة، فردّ علي: مع السلامة أنت! ونهضت وغادرت، ثم التفتّ إليه: جيبي فاضي، تبي شيء من وراء الشمس؟ فأجابني: تبي شيء من وراء الشمس أنت؟

ولولا ذاك الأهبل، لكنت الآن مقامراً عظيماً، وزعيمَ معارضة. وكان الناس سيشتمونني، رغم أنني لم أسرق أموالهم، وسيرحبون بالذي يستولي على الأموال العامة ومشاريع الدولة… شعب يقف على يديه، ولا ألومه بعد أن صارت العجائب أموراً عادية، وها هو النائب خالد العدوة بعدما شنّع في الشعبي ونوابه لسنواتٍ، قاسَ الأمور، وحسب الربح والخسارة، فراح يغازل الشعبي لينضمّ إليه، من دون أن يعتذر عن ماضيه السياسي الكالح، وحادا بادا ضب ضبابة الليلة بلاغة بلغتن در. 

احمد الصراف

الأعمال الوطنية.. والدراجة النارية!

كان الرحالة السوري عدنان آل تلو الزينبي العباسي، اول رجل من المنطقة، وربما في العالم، يجوب الكرة الارضية على دراجة نارية، وكان ذلك في عام 1957، واستغرقت رحلته سبع سنوات!
ولاكثر من نصف قرن لم يحاول احد تكرار تلك التجربة الى ان قام علي البيرمي ومهند هشام السلطان وحسين اشكناني من الكويت، برحلتهم المثيرة في الصيف الماضي حول العالم بالدراجات النارية، التي قطعوا فيها 25 الف كيلومتر من خلال المرور بقارات آسيا واميركا الشمالية وأوروبا، ومن ثم العودة الى الكويت مرورا بمنطقة الشرق الاوسط، من دون زيارة دول شمال افريقيا، بعد ان رفضت واحدة منها، معروفة «بنحاستها»، منحهم تأشيرة دخول جنتها تطبيقا للمثل المعروف «بلاد العرب اوطاني»!
وقد شكّلت رحلة هؤلاء الثلاثة دعما وصيتا للكويت وسمعتها يزيد على عمل عشرين سفارة، وكان لرئيس هيئة الشباب والرياضة، الاخ فيصل الجزاف، الفضل الاكبر في نجاح هذه الرحلة التاريخية. ولو علمنا ما لاقاه هؤلاء الرحالة في رحلتهم من معاناة واخطار لشعرنا بتقدير لدورهم الجبار، وهو الدور الذي لم يجد ما يستحقه من وسائل الاعلام والصحافة، باستثناء «القبس».
والغريب ان الرحالة عدنان تلو توفي بعد ايام من انتهاء رحلة الرحالة الكويتيين الثلاثة، وكان عمره يزيد على التسعين، يوم وفاته في السادس من اكتوبر 2009، ويذكر انه عندما زار الهند كان الشــاعر عمر ابوريشة سفيرا لسوريا هناك، وعندما التقاه ارتجل قصيدة من ابياتها:
«عدنان، ليس لما يريد شبابك الوثاب حد
طوفت في الدنيا وعزمك من شدائدها اشد
وحديث قومك اينما يممت، تسبيح وحمد
لا عاش من لم يغره في ملعب الامجاد، مجد».
وكانت لعدنان تلو صداقة عمر ورفقة نضال مع الشاعر نزار قباني، حيث كانا ومع الكثير من الشباب السوري الوطني يوزعون المنشورات ويتظاهرون ضد الاستعمار الفرنسي. كما كانت له مؤلفات عديدة في مجالات عمله وهواياته.
وأذكر بهذه المناسبة ان «مواطنا» كويتيا معروفا باستغلاله «الاعمال الوطنية» لتحقيق الارباح المجزية وغير المشروعة لنفسه، قام بعد التحرير مباشرة باستغلال المشاعر الوطنية الجياشة لدى المواطنين وقتها وقام باعلان مشروع «وطني» يقوم فيه احد الرياضيين برحلة على الدراجة الهوائية (!!) حول العالم باسم الكويت للدعاية لقضاياها العادلة. وبعد جمع ما يكفي من الاموال تم السكوت عن تنفيذ الفكرة، وتبين بعدها ان المشروع لم يكن اكثر من مقلب رديء الإخراج، وربما اكثر رداءة من الفيلم السينمائي الذي ساهم الشخص نفسه في انتاجه قبلها بسنوات! والمؤسف جدا ان صاحب هذا المقلب وغيره من «الاعمال الوطنية» الفاشلة يحاط بالتكريم من كبار موظفي ديوان تنفيذي مهم، ويظهر معهم في صور عن مناسبات تفوح منها روائح فساد حادة، وسبق ان كتبنا عنها.
ونتمنى هنا ان تعي حكومتنا الرشيدة خطورة وجود امثال اصحاب هذه المشاريع «الوطنية الهوائية» بين البطانة!

أحمد الصراف
tasamou7yahoo.com

سعيد محمد سعيد

يا جماعتنا… يا جماعتهم!

 

بالنسبة لي، لو جمعت آلاف التصريحات والمقولات والمقالات والخطب التي تتحدث بصدق… أقول بصدق، عن الرغبات الحقيقية، والأماني الوطنية المخلصة لزيادة التلاحم بين الشعب البحريني وقيادته، وبين القيادة ومؤسسات المجتمع، وبين مؤسسات المجتمع وبعضها البعض، وبيني وبينك، وبينه وبينهم، وبينهن وبينها، لما عدوت ذلك الأمر أكثر من كونه (اسطوانة)، وكلاما مستهلكا، وغالبه، بل أكثره، ليس صادقا، ولا ينعتق من العرق والطائفة قائله ويبقى رهنا لها.

لهذا، لا بأس في أن تظهر الحقيقة الكاذبة… وهي أن يتحدث فلان عن حاضر ومستقبل الشيعة، وينفلت (فلتان) ليصول ويجول بشأن واقع ومستقبل السنّة، وهذا يضيف للعنوان كلمة (جمعيات)، وذاك يضيف إليها (حقوق وواجبات)وآخر يلونها بسطوة (التداعيات).

أقول إن المسامع تمتلئ بالجميل من الكلام، واللطيف من الخطاب بشأن حقيقة العلاقة بين أهل البحرين، وأقول أيضا إن الغالبية العظمى من بسطاء الشعب البحريني، هم متحابون متكاتفون ولله الحمد، ولم تؤثر فيها نوازل الصراعات البرلمانية او الطائفية أو الأيديولوجية، بل وأصدقكم القول، هم، وأعني أولئك البسطاء… عامة الناس، من موظفين وموظفات وربات بيوت وعمال وعاملات، وسواق تاكسي وأصحاب دكاكين… أقدر بمئات المرات وأصدق في الحفاظ على العلاقات الطيبة، من دون تلويثها بالشعارات المذهبية والسياسية والتكفيرية… وهم يعرفون جماعة واحدة فقط لا غير… (هي الجماعة التي صدقت معهم وصدقوا معها في التعامل المخلص لله سبحانه وتعالى)، ولم يكونوا يوما من الراقصين على دبكة: جماعتنا… جماعتهم.

بصراحة، لا أستطيع أن أقنع نفسي، وما حدث هذا يوما، بأن الطائفية (ماتت) في المجتمع البحريني، بل هي تعيش… نعم تعيش وتترعرع ولكن كما أسلفت، فإن العامة من أهل البحرين، من البسطاء الصادقين، هم المناعة الحقيقية ضد هذه الجرثومة، وإلا فأيهما الأفضل، سائق تاكسي طيّب القلب نقي السريرة صادق في تعامله مع جاره السنّي ويحفظه في نفسه، والوكيل (السنّي) في الجيش… الخلوق الذي يرعى أهل جاره الشيعي الذي يسافر دائما لكسب لقمة عيشه… أقول أيهما أفضل، هذان النموذجان، أم نائب أو… أو وزير أو خطيب، أو صاحب سماحة أو صاحب فضيلة أو من يعتبر نفسه وليا من أولياء الله الصالحين، لا هَمَّ لهم إلا العيش في دوامة الطائفية في كل تحركاتهم، مبعوثين في ذلك على اعتماد مقولات تحريضية والترويج لها.

إذا تحركت تلك الطائفة لتبحث في قضية حاضرها ومستقبلها فإن الأمر (جلل)، وإذا تحركت تلك الطائفة لفعل الشيء ذاته فإن الأمر (خطير)…

زين يعني ويش الحل في هالبلد؟

عندي الحل… حقوق المواطن، كل مواطن، يجب أن تكون محفوظة والسلام.